النبش في الذاكرة الشعبية : بقلم الاستاذ: صالح هشام
-------قراءة صورة من الأيام الخوالي--------
{{ عمرو بن ود العامري / الامام علي بن ابي طالب }}
كما وعدتكم أعزائي القراء سأنطلق رفقتكم في رحلة اختراق وعبور للذاكرة الشعبية الجمعية ، من خلال تحليقها في عالم الحقيقة كما في عالم الخيال ، سنبحر معه من خلال هذه الصورة والتي تعتبر ثاني صورة سأغوص في ألوانها ، ولاستتنطاق التاريخ من خلالها ، خصوصا وأنها كانت مروضة لذاكرتنا نحن الصغار على اكتساب ملكة التخييل والتحليل والتأويل لمحتويات الصورة ، التي تعتبر أكبر إحالة إلى معارف قد تكون تاريخية أو خرافية ،أو تتعلق بالسير الشعبية ،كالسيرة الهلالية أو سرة عنترة بن شداد أو الحمزوية أو سيف ذي يزن أو فيروشاه ،وما شابه ذلك و التي إن لم تكن تؤتت مكتباتنا كانت تؤثت جدران منازلنا ،أو أقسامنا ،فكانت الصورة الرائعة تلخص تاريخا وأحداثا ، يعطينا آباؤنا المؤشرات ، والإشارات فنطلق نحن الصغار خيالاتنا حرة طليقة تبحر في عالم الصورة ، التي برع في إبداعها خيال الكبار ، لتغذية عقول الصغار ، وفي بعض الأحيان تكون بعض الإشارات المكتوبة في أعلى الصورة كمؤشر يريد الإنسان الشعبي من خلالها أن يحصر التأويل والتخييل في موضوع معين أو حدث تاريخي أو خرافي أو ما يسير على هذا النهج ، هذه الصورة كمايلاحظ القاريء الكريم ،على مستوى المحتوى تشير إلى شخصين في عراك بالسيوف ، والأول مقطوعة رجله بسيف غريمه ورغم ذلك يحملها مهددا بها خصمه ودماؤه تنزف ، وهذا يذكرني بشعر لمحمود درويش رحمه الله عندما يقول ( إذا سقطت دراعك فالتقطها واضرب عدوك بها فأنت الان حر ،،،،،) وحتى لا يتركك المبدع الشعبي تائها تستقري الوجوه ،وتبحث عن حقيقة هذين المتحاربين ولوضع المشاهد في متاهات التاريخ ، يلمح له بإسمين باقتضاب كبير جدا يكتب على الصورة أعلاها ( عمرو بن ود العامري في واقعة الخندق ) وعلى الصورة الثانية يكتب في أعلاها ( الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "يسار الصورة ") فيعطيك رأس الخيط أو هذه الإحالة البسيطة التي يتوخى منك أن تحلق في عالم التاريخ ،لتعرف حقيقة هذين المتحاربين في الصورة المبدع الشعبي يستعظم شجاعة الإمام علي ، ويبرز أهميتها من خلال شجاعة غريمه ،ولنتصور إنسانا مقطوع الرجل ، وهو يفرغ من دمائه ولازال يداعب حسامه فوق صهوة حصانه ، فعمرو بن ود العامري ، لايستهان بشجاعته في ميدان الحرب ، وهذا يريد من خلاله أن يبرز لنا أنه إذاكان هذا العامري على هذا المستوى من الشجاعة فكيف سيكون غريمه الذي بتر له رجله ،على مستوى التاريخ تشير الصورة إلى معركة الخندق بين كفار قريش والمسلمين ،في السنة الخامسة من الهجرة ،ويقول أصحاب السير أن عمرو وعكرمة المخزومي وهبيرة ، وهم من خيرة أبطال قريش ، أنهم التفوا على المسلمين من مكان ضيق من الخندق ، فانبرى لهم الإمام علي بن أبي طالب في نفر قليل من المسلمين ، فاستطاع أن يقضي عليه (عمرو بن ود ) من خلال المبارزة كما تظهر الصورة ، وإن وجب الإشارة إلى أن المبدع الشعبي عندما يشير إلى هذه المعركة ، ويعبر عنها من خلال التصوير لا يغفل بعض الزيادات التي يمكن أن تضفي على الصور دلالات فنية وجمالية ، يمكنها أن تبحر بالخيال بعيدا ،فهل في معركة الخندق كانت هذه البناءات الشاهقة وهي على شكل مدن ذات الطابع الإسلامي من حيث معمارها ،إذ نلاحظ أن فضاء الصورة تؤثته هذه المآذن والجوامع والبنايات الأنيقة ، وقد نعرف أن هذه إضافات ربما يستهدف منها هذا الإنسان الشعبي إضفاء جماليات على الصورة ، وإن كنت أعتقد شخصيا أنه يهدف إلى إيصال المتحرك في الصورة وليس الجامد ،
ما يثير الانتباه في هذه الصورة التراثية كيفية تعامل هذا المبدع مع الألوان في الصورة ، استعمل خمسة ألوان لكنها تختلف اختلافا كبيرا من حيت اجتياح الصورة والأهمية الدلالية ، يستحوذ اللون الأصفر على فضاء الصورة ، والأصفر له دلالته إن على مستوى الدلالة الدينية أو الشعبية ،فالأصفر ، يدل على التفاؤل والانطلاق في ملكوت الحياة ،وهو كذلك لون الشهامة والاعتزاز بالنفس وربما لهذه الأسباب يستعمل عميقا في هذه الصورة و في جميع الصور التي حصلت عليها ، فهذا اللون هو الأرضية الصلبة لانطلاق هذا الخيال الشعبي الجامح ،وسأركز على الأصفر باعتباره هو الأساس في هذه الصور ذات الطابع الحكائي في الفكر الشعبي ، وإن كان هناك من يعتبره عكس ما ذهبنا إليه ، فهو لون الخوف ، والقلق والكآبة ، أما إذا كان ساطعا فإنه يدل على المعنويات المرتفعة ،أما على المستوى الديني فهذا اللون استعمل استعمالا قليلا في الإسلام وإن تعددت دلالته . من جهنم إلى أنه يسر النفس كما ورد في قوله تعالى ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ،قال: إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) سورة البقرة . أما باقي الألوان الأخرى فهي عبارة عن محاكاة للطبيعة بصفة عامة ،سواء تعلق الأمر ببياض الجياد أو زرقة الماء والسماء أو خضرة النخيل كرمز لأرض الحجاز ، هذه إذن بعض خصائص هذه الصورة والتي أتمنى أن تفتح لي الباب لتحليل الصور الأخرى ، لما لها من أهمية تاريخية وتربوية نطلب من الله سبحانه العون والتوفيق !!!
بقلم الاستاذ صالح هشام
السبت ٢٢~١~٢٠١٥
-------قراءة صورة من الأيام الخوالي--------
{{ عمرو بن ود العامري / الامام علي بن ابي طالب }}
كما وعدتكم أعزائي القراء سأنطلق رفقتكم في رحلة اختراق وعبور للذاكرة الشعبية الجمعية ، من خلال تحليقها في عالم الحقيقة كما في عالم الخيال ، سنبحر معه من خلال هذه الصورة والتي تعتبر ثاني صورة سأغوص في ألوانها ، ولاستتنطاق التاريخ من خلالها ، خصوصا وأنها كانت مروضة لذاكرتنا نحن الصغار على اكتساب ملكة التخييل والتحليل والتأويل لمحتويات الصورة ، التي تعتبر أكبر إحالة إلى معارف قد تكون تاريخية أو خرافية ،أو تتعلق بالسير الشعبية ،كالسيرة الهلالية أو سرة عنترة بن شداد أو الحمزوية أو سيف ذي يزن أو فيروشاه ،وما شابه ذلك و التي إن لم تكن تؤتت مكتباتنا كانت تؤثت جدران منازلنا ،أو أقسامنا ،فكانت الصورة الرائعة تلخص تاريخا وأحداثا ، يعطينا آباؤنا المؤشرات ، والإشارات فنطلق نحن الصغار خيالاتنا حرة طليقة تبحر في عالم الصورة ، التي برع في إبداعها خيال الكبار ، لتغذية عقول الصغار ، وفي بعض الأحيان تكون بعض الإشارات المكتوبة في أعلى الصورة كمؤشر يريد الإنسان الشعبي من خلالها أن يحصر التأويل والتخييل في موضوع معين أو حدث تاريخي أو خرافي أو ما يسير على هذا النهج ، هذه الصورة كمايلاحظ القاريء الكريم ،على مستوى المحتوى تشير إلى شخصين في عراك بالسيوف ، والأول مقطوعة رجله بسيف غريمه ورغم ذلك يحملها مهددا بها خصمه ودماؤه تنزف ، وهذا يذكرني بشعر لمحمود درويش رحمه الله عندما يقول ( إذا سقطت دراعك فالتقطها واضرب عدوك بها فأنت الان حر ،،،،،) وحتى لا يتركك المبدع الشعبي تائها تستقري الوجوه ،وتبحث عن حقيقة هذين المتحاربين ولوضع المشاهد في متاهات التاريخ ، يلمح له بإسمين باقتضاب كبير جدا يكتب على الصورة أعلاها ( عمرو بن ود العامري في واقعة الخندق ) وعلى الصورة الثانية يكتب في أعلاها ( الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "يسار الصورة ") فيعطيك رأس الخيط أو هذه الإحالة البسيطة التي يتوخى منك أن تحلق في عالم التاريخ ،لتعرف حقيقة هذين المتحاربين في الصورة المبدع الشعبي يستعظم شجاعة الإمام علي ، ويبرز أهميتها من خلال شجاعة غريمه ،ولنتصور إنسانا مقطوع الرجل ، وهو يفرغ من دمائه ولازال يداعب حسامه فوق صهوة حصانه ، فعمرو بن ود العامري ، لايستهان بشجاعته في ميدان الحرب ، وهذا يريد من خلاله أن يبرز لنا أنه إذاكان هذا العامري على هذا المستوى من الشجاعة فكيف سيكون غريمه الذي بتر له رجله ،على مستوى التاريخ تشير الصورة إلى معركة الخندق بين كفار قريش والمسلمين ،في السنة الخامسة من الهجرة ،ويقول أصحاب السير أن عمرو وعكرمة المخزومي وهبيرة ، وهم من خيرة أبطال قريش ، أنهم التفوا على المسلمين من مكان ضيق من الخندق ، فانبرى لهم الإمام علي بن أبي طالب في نفر قليل من المسلمين ، فاستطاع أن يقضي عليه (عمرو بن ود ) من خلال المبارزة كما تظهر الصورة ، وإن وجب الإشارة إلى أن المبدع الشعبي عندما يشير إلى هذه المعركة ، ويعبر عنها من خلال التصوير لا يغفل بعض الزيادات التي يمكن أن تضفي على الصور دلالات فنية وجمالية ، يمكنها أن تبحر بالخيال بعيدا ،فهل في معركة الخندق كانت هذه البناءات الشاهقة وهي على شكل مدن ذات الطابع الإسلامي من حيث معمارها ،إذ نلاحظ أن فضاء الصورة تؤثته هذه المآذن والجوامع والبنايات الأنيقة ، وقد نعرف أن هذه إضافات ربما يستهدف منها هذا الإنسان الشعبي إضفاء جماليات على الصورة ، وإن كنت أعتقد شخصيا أنه يهدف إلى إيصال المتحرك في الصورة وليس الجامد ،
ما يثير الانتباه في هذه الصورة التراثية كيفية تعامل هذا المبدع مع الألوان في الصورة ، استعمل خمسة ألوان لكنها تختلف اختلافا كبيرا من حيت اجتياح الصورة والأهمية الدلالية ، يستحوذ اللون الأصفر على فضاء الصورة ، والأصفر له دلالته إن على مستوى الدلالة الدينية أو الشعبية ،فالأصفر ، يدل على التفاؤل والانطلاق في ملكوت الحياة ،وهو كذلك لون الشهامة والاعتزاز بالنفس وربما لهذه الأسباب يستعمل عميقا في هذه الصورة و في جميع الصور التي حصلت عليها ، فهذا اللون هو الأرضية الصلبة لانطلاق هذا الخيال الشعبي الجامح ،وسأركز على الأصفر باعتباره هو الأساس في هذه الصور ذات الطابع الحكائي في الفكر الشعبي ، وإن كان هناك من يعتبره عكس ما ذهبنا إليه ، فهو لون الخوف ، والقلق والكآبة ، أما إذا كان ساطعا فإنه يدل على المعنويات المرتفعة ،أما على المستوى الديني فهذا اللون استعمل استعمالا قليلا في الإسلام وإن تعددت دلالته . من جهنم إلى أنه يسر النفس كما ورد في قوله تعالى ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ،قال: إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) سورة البقرة . أما باقي الألوان الأخرى فهي عبارة عن محاكاة للطبيعة بصفة عامة ،سواء تعلق الأمر ببياض الجياد أو زرقة الماء والسماء أو خضرة النخيل كرمز لأرض الحجاز ، هذه إذن بعض خصائص هذه الصورة والتي أتمنى أن تفتح لي الباب لتحليل الصور الأخرى ، لما لها من أهمية تاريخية وتربوية نطلب من الله سبحانه العون والتوفيق !!!
بقلم الاستاذ صالح هشام
السبت ٢٢~١~٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق