آخر المنشورات

السبت، 31 مايو 2025

صِيامُ يومِ عَرَفَة بقلم الشاعرة عزيزة بشير

 ………..صِيامُ يومِ عَرَفَة……..…. …


صوموا وقولوا للإلهِ تولّنا

عرَفاتُ وِقفةُ في الخميسِ فأقْبِلوا


كفّارةٌ عامانِ عنْ ذنْبٍ مَضى

واللهُ مِن فوْقِ السّما ………..يَتَنَزّلُ 


والعِتقُ فيها للمُجيدِ صِيامَهُ

ربّي يباهِي فيهِ ، لا………..تَتَكاسَلوا


فاظْفَرْ بِها قُلْ  ربِّ جِئتُكَ صائماً

فارحَمْ عِبادَكَ يُحرَقونَ،…. يُقَتَّلوا !


مَنْ لَمْ يمُتْ بِقذيفةٍ فَبِغَيْرِها

فالجوعُ يَقْتُلُ  والإبادةُ …….. تَكْمُلُ


هيّا اضْرَعوا للّهِ عندِ فِطارِكُم

رُحماكَ غزّةَ (نتْنُ)مُجرُمُ …….قاتِلُ


إرْحَمْ (سودانَ)  بأهْلِها وتوَلَّها 

أوقِفْ حُروبَ لإخوَةِ ………..تَتَقاتلُ


إحفظْ بلادَ العُربِ من أعدائها

فالكلُّ صائمُ ، ضارِعٌ لكَ،……سائلُ!


عزيزة بشير



رحلة فكرية مع الكاتب والشاعر والناقد العراقي د. حاتم الصكر حوار الإعلامية دنيا صاحب - العراق الجزء (2)

 رحلة فكرية مع الكاتب والشاعر والناقد العراقي د. حاتم الصكر 


حوار : دنيا صاحب - العراق 


الجزء (2)


§  تناولتَ قصائد النثر في العديد من القراءات النقدية ما السمات أو الجوانب التي تثير اهتمامك في قصيدة النثر كي تكون مشروعًا نقديًا بالنسبة لك؟


 التي تمثل قصيدة النثر في الكتابة الشعرية العربية مرحلة شاع وصفها بأنها الحداثة الثانية كان ظهورها عربياً ضرورةً حوّلت مسار التجديد، وما رافقه من حداثة أولى محددة نوعاً ما بالوزنية أو الموضوع الشعري والإيقاع الخارجي.

توفر قصيدة النثر للشاعر والقارئ معاً حرية التعبير الشعري وتلقيه دون وسائل نغمية تشوش رسالته، إنها تمنح القصيدة فسحة  للاندماج بعصرها واستكناه معاناة الإنسان وأحلامه ومخاوفه تنصبُّ شعرية قصيدة النثر على تشكيل حر للمشاعر الأنا  الشعرية حاضرة فيها ، لأنها لا تحتكم إلى قوانين خارجية جمعية  لذا كتبتُ مرة أن لكل شاعر قصيدةَ نثرِه  كما أن الأجيال هي اجيال الشعر لا  الشعراء. إنها تنبني على عناصر جديدة غير معيارية و تهتم بالتكثيف والإيجاز والتوهج واللازمنية التي تطلق عنان خيال الشعر، وتوسّع أفق قارئها وترتقي بطرائق التلقي غير التقليدية. لا تبحث قراءتها عن تحقق المعيارية الوزنية كموسيقى خارجية ولا التقفية كزخرف من البديع واللفظي والشكلي الفارغ والمتكلف غالباً بل تسترسل وتتوخى ما فيها من جماليات وتثاقف مع الإنساني في الكتابة والفكر والفن.

تلك بعض أسبابي للعناية، بل العكوف على الاهتمام، بشعرية قصيدة النثر وآفاق تلقيها وكتابتها.

من أجل ذلك قدمت عدة مؤلفات حول إيقاعها البديل و اتجاهاتها  الفنية في كتابيَّ( حلم الفراشة)2004 و(الثمرة المحرّمة) 2019، واستثمارالمخيلة والذاكرة في كتابتها وحاولت تصنيف موضوعاتها وأبرز ذلك  ما تناولته في آخر كتبي ( الميتاشعري في قصيدة النثر العراقية) 2024حول ظاهرة الكتابة الميتاشعرية ،أي جعْل القصيدة تفكر بنفسها ،وتتحدث عنها موضوعاً لها، وعن دلالاتها وموقعها في فكر الشاعر وإحساسه ورؤيته.

قصيدة النثر قصيدة المستقبل الشعري المواكب للعصر في تقدمه، والرافضة لما يعترض الحرية والحلم  والعدل والجمال، وما يعانيه الإنسان في تحولات حياته وفنونه وآدابه . 


§ هل يمكن القول إن النقد، كما تمارسه في كتبك مثل "نقد الحداثة"، يسعى إلى تصحيح المسارات الإبداعية، أم إلى إعادة تأويلها فحسب؟


§ التأويل عملية تستند إلى إسقاط  قوة القراءة على النص لفهم ملفوظه وتفسيره وبناء كيان نصي موازٍ له، ينطلق من النص، دون أن يتطابق بالضرورة مع قصد المؤلف، أو ما تمنحه المعاني والدلالات المعروضة على سطح النص أو  مبناه ومتنه بل تحفر في توسيعات المعاني وما يختبئ خلفها من دلالات مسكوت عنها.

بهذا المعنى قمتُ بقراءة الممهدات النقدية التي رافقت التحديث الشعري في الكتابة.

 ومنها ماهو اجتماعي وما هو فني جمالي، ومنها ما اقترح تحديثاً تؤازره تجارب الكتابة في العالم وقمتُ بقراءة عيّنات من تلك الممهدات التي كُتبت كنقد للحداثة أو التمهيد للتجديد الشعري وحاورتُ ما قرأت وبينت مدى التقائه بمجرى نهر الحداثة الشعرية وما أضاف له أو ما قدمه بخجل أو تردد أوبحماسة واندفاع أحياناً  وأحياناً ما انقلب على التحديث الشعري، كالدعوة إلى زمن الرواية، وموت النقد الأدبي وتسفيه الحداثة كمشروع ولم أكن معنياً بتصحيح المسارات كما جاء في السؤال ، بل اكتناه الإضافة  والدعم مشروع الحداثة، وتأويل مرامي نقاد الحداثة قرباً وبعداً عن سهم انطلاقتها ، وحرية القصيدة والقراءة.



§ كيف انعكست تجربة المهجر والعيش خارج الوطن على أسلوبك في الكتابة النقدية والإبداعية؟ وهل وجدت في الغربة أفقًا أوسع أم شعورًا بالانفصال؟


§ كثيراً ما أجبت على مثل سؤالكم بالقول إنني وصلت المهجر أو المغترب كبيراً في عداد العمر ومتكوناً من الناحية الثقافية والدراسية بشكل ما هنا يصعب الحوار مع المكان الجديد والتفاعل معه بما يكفي لم تسعف محدودية اللغة ولا القدرة على الاندماج بفعل تثاقف محدد وكافٍ في المهجر حصل ذلك حتى مع رواد المهجر من الجيل الشعري الأول مثلاً، فكانوا يتمسكون بثقافتهم وأساليبهم الشعرية بالنسبة لي لا أضع موانع أو شروطاً، لأن عُدتي النقدية أصلاً لا تركن لقديم ،أو تتمسك بتقاليد نقدية محافظة من هنا كنت أواصل في المهجر صلتي بالثقافة العربية والنقد الأدبي مضيفاً لذاك شيئاً من الحرية في التأويل لم أكن استطيعها في البلدان العربية. وكذلك توسَّع مفهوم الثقافة  عندي ، لما أرى من عناية بالفن والعمارة والثقافات الشعبية  وجزئيات الحياة كالأزياء والرياضة والطعام وثقافات الشعوب العديدة من حولي هنا في الجنوب الأمريكي حيث أعيش أعراق وأجناس وثقافات مهاجرة متعددة المراجع ألوان ولغات وتقاليد متنوعة وذلك فتح أفق تعرفي الإنساني بصورة مجسمة ومحسوسة وربما يمكن رؤية ظلال ذلك التأثر في كتابي (تنصيص الآخر) الصادر عام 2021 ، ودراساتي عن تمثيل الآخر في الشعر.


§  ما هو دور النقد الفلسفي في تحليل الفن التشكيلي والأدب، خاصة الشعر؟


§ الشق الفلسفي في تلقي الفن يكاد يقتصر على موضوعين: المضامين الإنسانية والتعامل  الفني مع القضايا الكبرى في الحياة ،كالحريات والحروب  والأحلام  والانتماء والزمن ومشكلات الموت والآخر والغربة  وغيرها، والموضوع الآخر هو جماليات الفنون وفلسفتها .وتلك قضية تشترك فيها الفنون جميعاً لكن للتشكيل حصة أوفر بكون التشكيل لغة عالمية لا تحتاج لترجمة أو تفسير للمتلقي حيث يكون وربما كان الأدب أقل عرضة للتأثر بسبب خصوصيات لغوية وتعبيرية، تتعلق بكونه فناً زمانياً وقولياً، فيما يُعد التشكيل فناً مكانياً، يتمضوع  بصريا ويمنح متلقيه فرصة التعامل معه بلغة مشاعة وبحرية أكثر

وقد قدمتْ الدراسات الجمالية حتى من زاوية فلسفية الكثيرَ لعملية الكتابة والتشكيل ولقراءتهما أيضاً وهذا الأمر دعا لتجديد الأساليب الفنية والبحث عن الجميل في أماكن وزوايا لم تكن معروفة أو معهودة في النصوص الفنية والأدبية في العصور الماضية. 


§ في نصك 'بكائية 14' الذي كتبته في ذكرى

عدي، يهيمن الحزن والغياب وصراع الذاكرة مع الفقد. كيف ترى دور الكتابة الشعرية في مواجهة الفقدان؟ وهل تجد أن كتابة شعر طقسٌ لاستحضار روح الفقيد  أم محاولة لسد الفراغ الكبير  الذي تركه الراحل؟


 § تسألين عن الجرح المفتوح في حياتي فقْدي لولدي وهو في الثالثة والثلاثين في عمل إرهابي غرب بغداد، حيث تم خطفه على الهوية فحسب  كان هارباً إلى الخارج  مع زوجته ووالدته وولديه من جحيم الطائفية وعنف الإخوة الأعداء و هيجان الفكر التكفيري الذي تسلل إلى مجتمعنا بمشروعه المتخلف والمصحوب بالعنف المفرط ، و جنون التدمير حتى لآثار العراق وجماليات مدنه وطبيعته ونسيجه الاجتماعي هدمَ الدواعش مثلاً وكسّروا الآثار المتبقية من الحضارة الآشورية العريقة في نينوى وهدموا حتى رواسم الحضارة العربية الإسلامية كالمساجد القديمة والكنائس ومظاهر التحضر. 

وصلني الخبر وأنا أعمل مدرساً في جامعة صنعاء لم يكن بمقدورنا فعل شيء ولم تثمر الاتصالات والبحث عن وجوده منذ لحظة خطفه هكذا كانت الواقعة مدمرة بالمعنى الحرفي للكلمة لا جثة له ولا قبر ولا خبر عنه ترك عائلته في خلاء الانتظار والصبر المر النافد تغيرت حياتي بدرجة لا تصدق واضطررت للهجرة كي أمنح أسرته في الأقل أملاً و مناخاً آمناً وتعليماً يعوضهم عن الخسارة التي لقيناها في عراقنا الجارح الجريح.

سيرهق الحدث ذاكرتي ومخيلتي وصفائي النفسي وسوف ينعكس حتماً في ما أكتب بلوعة حادة وحزن فادح كابرت كثيراً كي أخفيه عن الأسرة والأطفال، لكن ما أكتب يخترق ذلك الحذر، فيتكثف الألم ويغدو ممضّاً قاتلاً لا يرحم كانت الهجرة من أكثر خسائري الشخصية، حيث لم أشأ الابتعاد عن محيط ثقافتي وحيويتي العلمية والأدبية. ولكن هذا ما حصل.

الكتابة أنقذتني من الموت بعد الواقعة وأنا مدين لها بصبري وتحمّلي رغم ما يرهقني ويثقل كاهلي في الكتابة كنت أصنع بشراسة وصعوبة معاً، كمية من الصبر علاجاً.وكنت أضمّن ما أكتب في مناسات الفقد واستذكار الفقيد ، رسائل لأصدقاء الألم الآخرين والقراء والناس ،حيث يمكنني الوصول إليهم أشاطرهم مأساة الفقد وأمرّن نفسي على التعود عليه.




§  إلى أي نوع تميل وجدانيًا في اختياراتك عند صياغة نصوصك الشعرية؟" بصورة استثنائية.

 - إذا كان المقصود  في السؤال هو النوع الشعري، فإنني مررت بمرحلتين: الأولى المبكرة  التي تعتمد  الكتابة الوزنية والمجددة ، أوماعرف بالشعر الحر، واللاحقة التي تعتمد قصيدة النثر .ولكني أعتز بالمرحلتين،  وقد فعلتُ ذلك في جمع دواويني الصادرة في كتاب شعري واحد مؤخراً ، عنونته ب(ربما كان سواي في الدواوين الأربعة). وقد تفضلتْ الناقدة والأكاديمية الدكتورة رائدة العامري بالإشراف على جمع الدواوين التي صدرت في سنوات متباعدة وأماكن متفرقة، و قامت بطباعتها ونشرها مشكورةً  عام 2023. وأشرفتْ على إحدى طالباتها في دراستها للماجستير حول القصائد 

ويهمني القول إن اللحظة الشعرية التي نكتب فيها هي التي تحدد طبيعة المعالجة الشعرية. فقد تكون المهيمنة في النص لغوية أو نفسية أو اجتماعية أوحدثية، فتأتي القصيدة متضمنة طبيعة الأسلوب الملائم لتوصيلها ولكن بوفق الرؤية التي أراها أهم من المنهج والطرائق التي يقترحها وفي رؤيتي للحداثة كمطلب للكتابة أتخذ الأسلوب المناسب لتأكيد زاوية رؤيتي و المحتوى الذي أريد توصيله.



§ في ختام هذا اللقاء، ما الرسالة التي تود أن توجهها للكتاب والنقاد الشباب والقراء ؟


§ كنت في دراستين منشورتين قد فنّدتُ إمكان توجيه نصائح في مجال الكتابة بأنواعها.ولمحمود درويش قصيدة ( رسالة إلى شاعر شاب) في هذا الصدد ، يقول فيها  للشاعر الشاب :لا نصيحة في الحب لكنها التجربة 

لا نصيحة في الشعر لكنها الموهبة..../  وابتدئ من كلامك أنت.

 كأنك

أوّل من يكتب الشعر،

أو آخر الشعراء!

إن قرأت لنا، فلكي لا تكون امتداداً

لأهوائنا،

بل لتصحيح أخطائنا في كتاب الشقاء

   النصيحة تتضمن غالباً معنى فوقيا ومتعالياً. لكن من الضرورة التعلم  ذاتياً من تجارب الآخر، واستخلاص درسٍ ما أو فكرة أو منهج. فبدلاً من  ذلك يتم توجيه (رسالة)  كما جاء في سؤالك الذكي ، وخلاصتها عندي : أن نتفهم التحولات في الرؤية والكتابة، مع متابعتنا لتاريخ الأدب والفن بالقراءة الدائمة المتنوعة.ولكن المهمة الأكثر أهمية هي تطوير أدواتنا وكتابة نصوصنا بإيقاع عصرنا ،حيث تختلط الفنون وتنفتح على بعضها ، و تستجد طرق التوصيل والتواصل .ما يستلزم أن نكون في عصرنا لا على هامشه أو في حواشيه مع تحفظ ـ و استدراك واحد وهو الحفاظ على أدبية الأدب وعدم مسخِه أو محوِه أو تبسيطه بسذاجة ،تبعاً لإغراءات الرقميات والتقنية والتقدم الفائق في الذكاء الاصطناعي.فالأدب الفن مهمة فردية إنسانية، وما عداه من المبتكرات المغرية ليست إلا وسائط لتسهيل وصوله والحوار معه وقراءته.











رحلة فكرية مع الكاتب والشاعر و الناقد العراقي د. حاتم الصكر الجزء (1) حوار الإعلامية دنيا صاحب – العراق

 رحلة فكرية مع الكاتب والشاعر و الناقد العراقي د. حاتم الصكر


الجزء (1) 


حوار: دنيا صاحب – العراق


في هذا الحوار المتميز، نصحبكم في رحلة فكرية ممتعة مع الدكتور حاتم الصكر، الكاتب والناقد العراقي الذي يجمع بين عمق الفلسفة، ورصانة النقد وجماليات الأدب والفن.


لقد أثرى المشهد الأدبي بإبداعاته وتحليلاته العميقة ومن خلال تأملاته في النصوص الأدبية، ورؤيته النقدية المتجذرة في الأصالة والمعاصرة، يكشف لنا الدكتور حاتم الصكر عن رؤيته للفكر الإنساني، ودور المثقف في مواجهة التحولات الكبرى في عصر التكنولوجيا.


يحمل هذا الحوار في طياته دعوة للتفكير والتأمل في آفاق الإبداع والفن والأدب، ويضيء مساحات تتلاقى فيها الهوية الثقافية العربية مع قيم الحداثة، ليكون رحلة بين الماضي والحاضر، وبين التراث والتجديد.

§ في مشهد الأدب والنقد العربي، يبرز اسمكم كمنارة فكرية مميزة؛ كيف تقدم لنا بداية رحلتك الفكرية ككاتب وناقد ومفكر معاصر ؟


§ شكراً لك.أتمنى أن أكون كما وصفتْني كلماتك، لكني أعدّ نفسي كاتباً أتعلم وأقرأ بشغف المحب للشعر والمعرفة والأدب بدأت حياتي في الكتابة بالشعر شأن أغلب مثقفي جيلي ومبدعيه ومن سبقوهم، الشعر أقرب الأسلحة للنفس دفاعاً عن الوجود والرؤية والحرية والحلم 


تنوعت في القراءة بسنِّ مبكرة وأنغمست في قراءة الشعر بتشجيع من الأسرة أولاً ومن معلّمينا ومدرسّينا، قراءة القصائد التي أحفظها، في الاصطفاف الصباحي من الصداقات التي اصطبغت منذ المراهقة بالقراءة ومتابعة الصحافة الثقافية، والمغامرة في تجربة الكتابة بطريقة الشعر الحر - كما اصطُلح على شعر التفعيلة التجديدي-.تأثر مشروع بالسياب والبياتي وخليل حاوي وشعراء المهجر قبلهم وجبران خاصة، ثم مغامرة النشر المبكر في الدراسة الثانوية ينشر لي مقطع على صفحة للقراء  وناشئة الشعر، وتليها قصائد في صفحات أدبية مخصصة، وفي الجامعة تنشر لي مجلة الآداب قصيدة كرّست وضعي شاعراً في نظر الأصدقاء  والزملاء والمعارف في الأقل.

الدراسة الجامعية أضافت لي الكثير اطّلاع منظم على تاريخ الأدب والنصوص من عصور مختلفة، وفنون البلاغة و علم النحو والعروض وغيرها لكن المادة الأكثر أثراً هي النقد الأدبي القديم والحديث حفزني ذلك على برمجة قراءات متسلسلة خلال الدراسة والعطلات الطويلة وبالاستعارة من مكتبة الكلية والجامعة  واكتشاف المزيد من جماليات الأدب الموروث والحديث ملاحم ومطولات ومعلقات وكتب نقد مختلة المراجع .. كل ذلك وبحوث الدرس النقدي  شجعتني بل جذبتني دون وعي للكتابة، ولكن عن الشعر أيضاً. وكانت البداية ببحث  مطول عن المزايا الفنية في شعر السياب ربيع عام 1965.لم يكن قد مر على غياب السياب إلا شهور ومكتبته النقدية شحيحة، فكان بحثي الذي نلت عنه درجة امتياز حافزاً للإيغال في التجربة.

ستتنوع قراءاتي، وأنشط في الصحافة الثقافية في العراق وخارجه وتبدأ حياة أخرى بالنسبة لي وهبتُها للأدب بل غيرت مهنتي من التدريس إلى العمل الثقافي ما زاد من تركيزي وتغذية قراءاتي بالمزيد وجمعت بعض دراساتي في أول كتاب نقدي لي بعد ديوانين شعريين  عنونته ب(الأصابع في موقد الشعر)  1986وهو دراسات تطبيقية وقراءات في دواوين وظواهر شعرية، كنت قد نشرتها  في الصحافة الأدبية أو ساهمت بها  باحثاً وكان ذلك التطبيق والتحليل النصي  هو  ما  يميز رؤيتي في مجال النقد بين الزملاء، حيث ركزت  مبكراً على قراءة المتون نصيّاً ونقدها وتحليلها . وسوف يتجذر ذلك بعد دراساتي العليا التي ظل موضوعها  الشعر مكتوباً ومنقوداً ولا شك أن تجربتي الشعرية على تواضعها أمدتني بقدرة أفدت منها في تحليل النصوص الشعرية  ورصد ما فيها من ظواهر ومضامين.



§ هل ترى أن النقد الفلسفي أصبح أكثر حاجة ملحة في فهم التحولات الفكرية في عصر الحداثة؟


§ أصدقك القول أني لا أطمئن كثيراً لصفة الفلسفي وصفاً  للشعر ولا للنقد، سوف يتسم الشعر ببرودة وجفاف وإيقاع ثقيل حين يحاول الشاعر أن يجعله فلسفياً، الشعر والنقد عندها سيفقدان هويتهما الأدبية ولا تربح بهما الفلسفة شيئاً ثمة تفلسف وتصوف مثلاً في أشعار كثيرة قديماً وحديثاً: المعري وإيليا أبو ماضي وخليل حاوي وأدونيس ، وثمة قصائد للبياتي والسياب  ونازك وعبدالصبور وغيرهم ذات منحى تأملي وتفكير في الأسئلة الكبرى كالوجود والموت والحب والحقيقة والزمن ومصير الإنسان.. لكنها لا تقدم ولا يتوجب عليها أن تقدم - فلسفة أو منظومة معرفية يمكن وصفها بذلك وليس هذا انتقاصاً من التجارب التأملية والتصوفية في الكتابة الشعرية ويسلط النقد ضوء القراءة والتحليل والتأويل عليها لكشف جوهر الرؤية فيها ويفككه  لمعرفة مدى ملاءمة النظم لها وكيفياته فيصبح نقد الفكرة جزءاً من دراسةِ شعريةِ النصوص 

وهذا أقصى ما يمكن للنقد أن يقوم به، وهو يعاين متوناً أدبية البنية

وذات جماليات خاصة،  يبقى أن نضيف أن العلوم الإنسانية ومنها الفلسفة ، عدّة ٌ ضرورية للناقد كما للأديب ، وقد تغذي رؤيته وتلوّنها بأطياف من العمق في التأمل وصوغ التراكب المعبّرة عن الفكرة او قراءة تجلياتها في النصوص.

ويبقى أن أذكر أن النص هو الذي يفرض شكل المقاربة أو الممارسة النقدية. فإن كان ذا محمول تأملي وفكري، استلزمت مواجهته بقراءة مماثلة، تستقي من علم الجمال ومفرداته ما يعين على قراءته ونقده ولكن دوماً بمقاربة أدبية الرؤية والأسلوب.



§ دكتور حاتم الصكر، إلى أي مدى تعتقد أن الرواية الفلسفية اليوم تفتح آفاقًا جديدة في تناول الموضوعات والأساليب من حيث تنمية العقول والوعي الفردي والجماعي؟


§ جزء من إجابة السؤال السالف تصلح جواباً لهذا التساؤل. فقط أضيف أن  ثمة روايات  عُدت متأثرة بفلسفة ما، أو تحاول أن تعكس منظوراً فلسفياً- روايات لسارتر مثلاً وكامو ودستويفسكي وسيمون دي بوفوار وأمبرتو إيكو وكونديرا وباولو كويليو وبعض الروايات عن سير للمتصوفة والفلاسفة أو نظرياتهم ورؤاهم ، كما في روايات لأمين معلوف وإليف شافاق وعبدالفتاح كيليطو ويوسف زيدان وواسيني الأعرج وبرهان شاوي وغيرهم. 

 وفي ظني أنها نادرة ، ولا تحظى إلا بقراءات النخبة التي تمتلك خزيناً معرفياً أو خلفيات فكرية، وهي ذات  أثر في  القراء وتحفيزهم على تأمل حياتهم وواقعهم دون شك وغنى الشخصيات وعمق الأحداث تأتي من أطر وسياقات سردية ليست الأفكار الفلسفية  أوالتأملات بالأحرى، إلا بعض دراسة الطبائع والرؤى ضمن الحدث السردي، وليس لبسط فلسفة محددة.



§ في كتابك أقنعة السيرة وتجلياتها ركزت على ثنائية البوح والترميز ما الفرق بينهما ؟


 §  هذا هو عنوان فصل في الكتاب عن السيرة الذاتية النسوية ( البوح والترميز القهري-الكتابة السير ذاتية تنويعات ومحدّدات) 2014 ،ثم في كتابي (أقنعة السيرة الذاتية  وتجلياتها) 2018 فقد وجدت نصوصها التي تعرضت لها بالقراءة والتحليل والتأويل  تتأرجح بين الرغبة  بالبوح بما في ذات الكاتبة،  متشظياً في وعي شخصياتها النسوية بدرجات متفاوتة

بحسب السياق، أو الميل إلى استخدام الترميز نيابة عن البوح المباشر  وهذا الترميز واضح الانصياع للخوف من المنع والقمع، فيتخذ الصفة التي وجدتُها مناسِبة له : الترميز القهري أي  المقيّد في الكتابة النسوية بفعل قوة قاهرة متسلطة على الوعي تمنع البوح  فتتقنع بترميز فنّي عالٍ يوصل الرسالة للمتلقي، بما تعاني المرأة في حياتها  كنوع يعاني الإقصاء والرقابة الصارمة والتأويل الاعتباطي والنمطي ؛ كالمطابقة بين الكاتبة وشخصياتها السردية،  أو استنكار ذكر أي فعل حر تقوم به امرأة في متون السرد

البوح رتبة عليا في الكتابة تتسم بالجرأة والصدق وتخطي الموانع  والترميز صيغ استبدالية تنتهج الإشارة والإحالة تخلصاً من عبء تلك الموانع وإن تبلورت فيها الرؤية النوعية للكاتبة.


§ في كتابك (المرئي والمكتوب: دراسات في التشكيل العربي المعاصر) تناولت تأسيس الحداثة الفنية عربياً  كيف ترى تأثير الرمزية والتجريد في أعمال الفنانين المعاصرين خصوصاً جواد سليم، شاكر حسن آل سعيد ، وغسان غائب؟


§ لقد وصل هؤلاء الرسامون إلى التجريد بعد رحلة بحث مختلفة ، مرت بمراحل تتراوح بين التشخيص  و الانطباعية والواقعية والمدرسية أو الأكاديمية مع وجود لمسة أسلوبية خاصة بهم، أوصلتهم إلى اختيار التجريد أو الرمزية والحداثة الفنية بمعالجات متنوعة. 

يبدو لي أن الفنان العربي يبدأ بأقرب ما إليه ، وهو الواقع والمرئيات أو البصريات المعروضة  في البيئة والثقافة فيتمثلها ويعيد تمثيلها رسماً أونحتاً لكنه مع زيادة قراءاته وتأثره بمشاهدات من الفن العالمي ومدارسه الحديثة ونمو وعيه وإدراكه، يبدأ التفكير بمعالجة فنية متقدمة تعتمد التجريد كاختيار حداثي من جهة ولصلته بكثير من الموروثات البصرية كالنقش والتزويق والزخرفة من جهة ثانية.

أما تأثير ذلك في أعمالهم، فهو شاهد على تشربهم واستيعابهم لمغزى التجريد الذي لا يعني العشوائية وانعدام الرؤية أو العبث بالسطح التصويري، بل ينطوي على بُعد جمالي يضيف للأعمال قيمة وأهمية.

الرسامون العراقيون الذي ذكرهم سؤالك وبحثتُ تجاربهم في الكتاب وثم في ( أقوال النور) الصادر عام2007.  يمثلون المغامرة الأسلوبية والرؤية التشكيلية المتقدمة عبر تحولاتهم ويمثلون إنجاز التحولات الفنية عربياً في النحت والرسم والحروفية  والتجريد، والفن المفاهيمي بجانب عدد كبير من فناني العراق والبلدان العربية الذين تعرضت لتجاربهم بالنقد والإشارة والاستشهاد.



§ كيف استطعت أن توفق بين التحليل النقدي  والتقدير الجمالي بأسلوب اكاديمي لأعمال الفنان غسان غائب في كتابك ( كن شاسعاً  كالهواء) ؟وضح وجهة نظرك ؟


 §  لغسان غائب حضور جيلي مختلف وإنْ تتلمذ عبر صلته بأساتذته، لاسيما شاكر حسن آل سعيد  بشكل خاص وحميم، ورافع الناصري وضياء العزاوي. فقد انصرف بعد التجريد  والفن المحيطي،إلى الأعمال المفاهيمية أو التركيبية، برؤية ثقافية بالدرجة الأولى عبر اعتماد المرجعية الشعرية المصاحبة لأعماله المبتكرة أو التي تمثل مركز انبثاق فكرة العمل والخارجة عن اللوحة بالمعنى التقليدي، وبالتلقي والعرض أيضاً

إنه يبتكر دوماً، ويخلق فضاءاته المميزة بشاعرية ومضامين إنسانية يستقي من القصيدة والحِكم الصوفية والواقع الإنساني جلَّ أعماله وعند تنفيذها لا يتوانى عن ابتكار جريء  لتنفيذ العمل مصغّرات أو ملصقات أو مواد مختلطة وفي فضاء خارج حدود اللوحة والإطار والجماليات المعروفة في الكتب الشعرية والملصقات والصور والمواد البيئية والحياتية المركبة.

من هنا تركزت قراءتي على استمداده من الخزين المعرفي والعرفاني والشعري إنه - وهذا ماجذبني لأعماله - ذو حس فني مرهف يلتفت لما حوله في العالم: بشراً ومخلوقات ينفذ أعمالاً عن الظلم الذي يتعرض له البشر والقمع والعنف، والمعاني اللابدة في النصوص الشعرية التي يختارها بدقة وخبرة ويواصل تناصاته مع التراث الصوفي والروحي من هنا اتفقنا على تسمية كتابنا المشترك : كن شاسعاً كالهواء وهي مقولة للمتصوف المعروف بأشعاره  جلال الدين الرومي ذلك هو الفضاء الشاسع الذي يشتغل فيه غسان بحرية وصدق ورهافة والذي جذبني للكتابة عنه وإضاءة بعض الجماليات والخلفيات الفاعلة  في تجربته  ومضامين أعماله ورؤيته.






الجمعة، 30 مايو 2025

تغيّرتَ مستعجلا..أيها الفرح الضجري..وتركتَ سطح قلبي معبرا للمواجع.!! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 تغيّرتَ مستعجلا..أيها الفرح الضجري..وتركتَ سطح قلبي معبرا للمواجع.!!


..عليَّ أن أعود إلى خالقي،وأعيد إليه ما تبقى من لحمي وحلمي ودمي،فأنا لست أنا كما كان يعرفني قومي وعسس الليل وكل الذين تعفّروا بالهدم والرّدم وتشظوا في الرّعد دمدمة ودويا..

لم أعد أمير المنابر يا رفاقي.ومثلما أوحيت لكم ذات يوم: أنا ذاهب في صحاري دمي..

أنا ذاهب في زهدي ..وقد لا نلتقي..

سأحاول أن أنبجس من ذاتي إلى ذاتي،وأدوّن معاناة بني البشر أجمعين،وما ذررفوه من دموع في نهر الأبدية..

سأكتب على سديم الدنيا تواريخ رجال أتقياء ما هادنوا الدّهر يوما..

رجال تشرق مكارمهم وتتجلى ورعا و وإيمانا..

من المؤكّد أنّ والدي منهم..والدي الذي خاض تجربة الحياة بمهارة..ظلاله مازالت ممتدة من الجغرافيا إلى ارتعاشات القلب..مازالت هنا على عتبات الرّوح مثل رفّ جناح..

وها أنا..مازلت ألتحف وصاياه بنبل وإخلاص،وأسعى وفقا لوصاياه أن أكون صادقا مع نفسي أوّلا ومع الآخرين تاليا،لا أسطو على أحد ولا أتدثّر بلحاف غير لحافي،كما لا أمدّ رٍجلي إلا على قدر كسائي،وها أنّي اليوم أراه (والدي رحمه الله) ملتحفا بالغياب يتراءى وبإلكاد يرى لا سيما في الأيّام الشتائية الماطرة حين السحب تترجّل على الأرض ضبابا،كثيرا ما كنت أراه..

قد يكون الأمر مجرّد أوهام بائسة ورؤى منهكة يكتنزها اللاشعور لكنها تنفلت أحيانا من رقابته،كي تتحوّل إلى نداء خفوت يمجّد الحقّ ويناصر العدل..

لكنّي أرى فيما أرى أيضا أقلاما هشّة تتدحرج صوب الرداءة والكسب الرخيص..لتزيدني الرؤية يقينا بأنّ الأقلام رماح ما لم تصنها ارتدّت إلى خاصرتك وجعا وصرير أسنان..

لم أعرف اليتم يوم غاص أبي الرحيم إلى التراب..

واليوم تشهد كائناتي وأشيائي أنّي اليتيم..شيخ تجاوز الستين بخمس عجاف..

ولكنّي أحتاج أمّي بكل ما في النّفس من شجن وحيرة وغضب عاصف..

أحتاجها لألعن في حضرة عينيها المفعمتين بالآسى غلمانا أكلوا من جرابي وشربوا من كأسي واستظلّوا بظلّي عند لفح الهجير..لم أبخل عليهم بشيء وعلّمتهم الرماية والغواية والشدو البهي..

واليوم تحلّقوا في كل بؤرة وحضيض لينهشوا لحمي وحروف إسمي..

أين منّي حضنها الدافئ وهي تهدهدني كلما صهل الخراب في داخلي..؟

خساراتي فادحة أيّها الزمن اللعين..خساراتي مؤلمة أيتها الدنيا اللئيمة..فقدت أبي ذات مساء قاتم..توارت أمّي خلف الغيوم..واختفت تلك التي آتتني من غربة الصحو،ألبستني وجعي ثم تلاشت في ازدحام الصباح..ثم خطف الموت اللئيم مهجة روحي "غسان.."

خساراتي فادحة أيتها الدنيا المزدحمة بالأحزان،أما أرباحي فسقط متاع،أضعت في الطريق رفاقا كثرا أسقطتهم القافلة سهوا عني..سهوا عنهم..ما أطول طابور خساراتي وما أحلك هذا الليل الذي صار جزءا منّي.هل أنا حي لأموت..؟

وهل من فقدتهم -الأحياء والأموات-ليسوا جزءا منّي..؟! ألم يقتطع منّي الموت أشجارا شاهقة ونفوسا عظيمة؟..فكيف لم يزرني هذا المتسربل بالعدمية إلى حد الآن..بل إلى حد هذا الحزن والألم والجنون..؟

ألا بد من إنقطاعي عن توريد السجائر إلى رئتيّ المذهولتين ليتمّ إعلان موتي..؟

ألا بد من تخريب جسدي عمدا بما أسكبه في جوفي من "نبيذ"..؟

وهل عليّ تغيير لحاف كوابيسي بكفن أكثر بياضا من العدم،لكي يصعق الأصدقاء ويرقص الأعداء ويوقنوا أنني جثّة تتدحرج على هضاب الحياة وتصطدم بالحواجز والأضداد..؟ !

ميّت أنا..ومشتاق إلى الحياة..يا أيّها الموتى بلا موت.. تعبت من الحياة بلا حياة..مشتاق إلى القصيدة..لم تزرني منذ ليال طويلة..هجرتني كما هجرتني تلك التي تهجع خلف الشغاف بعد أن أيقنت أنّي سقط متاع..

حاولتْ-بجدائلها-رتق الفتق..فتغلّب الفتق على الرتق..تركتني أخيرا كائنا أسطوريا يسكن الرّيح،ويعوي مع ذئاب الفيافي..قمرا في بلاد ليس فيها ليال مقمرة ولا أصدقاء..

ومع ذلك مازلت أحبّها..مازلت أهذي من حنين وحمّى..

انتصف الليل ولم يأتني طيفها ولعلّ هذا نذير شؤم..أو مؤشّر موجع للفراق العظيم..

من تشتريني في مثل زمن مزخرف بالليل كهذا..فالقلب توقّف في الحزن كالحجر الأردوازي..والجسد غدا في غاية الإعتلال..أما الشوارع فقد أوحشتني مما بها من لحى..وبين الضلوع تأجّج ما تبقى من الشيب برق..وعبث فيما تبقى من القلب رعد..وكفّت الخمرة عن فعلها فيّ مما تداويت..

"سأبقي المصابيح موقدة في فيض الصباح..مصالحة بين صحو الصباح وصحوي..وأبقي رياح الجنوب بوصلتي و دليلي..وأسأل عن إبن صاحب الرّوح في زمن الجدب..يوم كانت المحيطات تنام بحضني..وما زال ثوبي يخضرّ من مائها..ياله من زمان مضى بين ألف من السنوات الفتيّة..

تغيّرت مستعجلا أيها الفرح الضجري..وأصبح سطح قلبي معبرا للمواجع..

ولكن متى كان الحزن يصغي..؟!


محمد المحسن



في زمنٍ لا نجرؤ على الحبّ بقلم د/آمال بوحرب

 في زمنٍ لا نجرؤ على الحبّ


نحن أبناءُ زمنٍ:  

- يُعلّقُ القمرُ سِرَّه على أغصانِ الصَّمتِ  

- تختنقُ العيونُ بالدموعِ خلفَ أقنعةِ "لا شيءَ يحدثُ"  

- تصيرُ القبلةُ جريمةً.. والهمسةُ إعدامًا ذاتيًّا  


لكنَّنا:

مازلنا نحملُ في جيوبِنا الباليةِ:  

- بذرةَ جنونٍ قديمةٍ  

- خرائطَ لمدنٍ مفقودةٍ من الشجاعةِ  

- دفتريا  سريًّا.. تكتبُ فيه الريحُ قصصَ العاشقينَ   


أركانُ الأزمةِ:


1. الخوفُ من البوحِ:

حيثُ صارَ القلبُ وثيقةً تُخزَّنُ في الخزائنِ الصمت   


2. النفاقُ العاطفيُّ 

نرقصُ على أنغامِ "كلُّ شيءٍ بخير"  

ونحنُ نغرقُ في بحرِ الوحدةِ  


3. العلاقاتُ الشبحيةُ:

أشباحٌ تتهامسُ خلفَ الستائرِ  

تُشبهُ الحبَّ.. لكنَّها مجرَّدُ ظلالٍ للخوفِ  


الحلُّ المفقودُ:

- أن نكونَ جيلا  يصرخُ: "الملوكُ عراةٌ!"  

- أن نعيدَ تعريفَ الشجاعةِ:  

فهي ليسَت في قبضةِ اليدِ.. بل في راحةِ القلبِ المفتوحةِ  


وجراحُ الصدقِ.. أهونُ ألفَ مرةٍ من ندوبِ الكذبِ" (محمود درويش)  


كيفَ نُصلحُ ما تلف ؟

1-بالشجاعةِ:

أن أقفَ أمامَ المرآةِ و أعترفَ:  

"أنا خائفٌ.. لكنّي أختارُ أن أعبّر  عن مشاعري عن نفسي "  


2. بالأمانةِ:

أن نرفضَ أن نكونَ مجرَّدَ ظلٍّ في حياةِ الآخرينَ  


3. بالصبرِ:

فالقلوبُ المكسورةُ تحتاجُ إلى مواسمَ كي تُزهِرَ من جديدٍ  


خاتمةٌ:

لنكنْ ذلكَ الجنونَ الجميلَ في زمنِ العقلِ القاسي..  

لنكتبْ حبَّنا على جدرانِ الوجودِ..  

فالحياةُ قصيرةٌ.. والخوفُ أطولُ منها!

د/آمال بوحرب



الخميس، 29 مايو 2025

Poems and biography of the poet Ana May

 Poems and biography of the poet Ana May


ANA 

I

I would say, it's a sin

To leave scars on scars

In response, catch my laugh now

I see the light in the heart wounds

 

II

 

I bite without guilt

Today is a soft tiger

You didn't name the prices

Their love games


III

 

Catch

Rude words and tenderness

Rage in texts on display

Love is sweet sinfulness

My lungs of my female leprosy


IV


It's like a new chapter again

Heart medals on the chest

I was wrong somewhere

My mind and heart fought

My female way is by God's will

I came across the word "again"

The whole field is swewn with pain

What not to snatch and not to take away


About the author:

Alina Railevna Makhmutova, known in the literary world as Ana May, is a writer, poet, and photographer originally from Kazan, Russia. The author of the books "On the Streets of Love," "Wandering Through Memory," "Kiss Your Pain," and "ANA," she has won numerous literary competitions and awards, both in Russia and internationally.

Part of her literary work has been published in various magazines and anthologies in countries such as Russia, the United States, Spain, Italy, Albania, Israel, India, Turkey, Bangladesh, Tajikistan, and Australia. In addition to her artistic work, Ana May is dedicated to the creation of handmade lingerie, a further expression of her aesthetic sensibility and passion for all things handmade.




Traducción del inglés al español por Irene Doura-Kavadia. 


ANA

I


Diría que es un pecado

dejar cicatrices sobre cicatrices.

Como respuesta, atrapa ahora mi risa:

veo la luz en las heridas del corazón.


II


Muerdo sin culpa,

hoy soy un tigre suave.

No pusiste precio alguno

a sus juegos de amor.


III

Atrapa

palabras rudas y ternura,

furia exhibida en los textos.

El amor es dulce pecaminosidad,

mis pulmones de mi lepra femenina.


IV


Es como un nuevo capítulo otra vez,

medallas del corazón sobre el pecho.

Me equivoqué en algún lugar.

Mi mente y mi corazón combatían.

Mi camino de mujer es por voluntad de Dios.

Me topé con la palabra "otra vez".

Todo el campo está sembrado de dolor,

que no se puede arrebatar ni quitar.


Sobre la traductora:

Irene Doura-Kavadia es escritora, poeta, profesora, literata, traductora multilingüe, conferencista, gestora y promotora cultural griega. Es autora de 16 libros que han sido publicados en griego, inglés, francés y español y ha recopilado varias antologías como editora en jefe de Writers Capital International Edition.



تخرج الدُكتورَه يَسمينَة خالِد منصور، بقلم الشاعرة عزيزة بشير

 دُكتورَه يَسمينَة خالِدمنصور،

أمريكيّةُالمَوْلِدِوالجنسيّة،لكنّ فلسطينَ الوطنَ في دَمِها،تتخرّجُ اليَومَ في كليّةِ الطّبِّ في إيرلندا ما شاء الله!


أللهُ أكبَرُ !أشرَقَتْ في طَلْعَةٍ

نورُ المُحيَّا بِوَجْهِها ………….وبَشيرُ


أللهُ أكبَرُ !  أشْرقتْ  وَتَلألأتْ

(يَسمينَهْ)دُكتُورُ،مِنْ شَذاهَا… زُهورُ


فيهَا التَّميُّزُ والأصالةُ والحِجا

وَطنٌ يُعَشِّشُ في الجَوى …..ويَمورُ


رغْمَ البُعادِ  ورغْمَ  كلِّ عَوائقٍ 

فْلِسطينُ مَعْهَا وَفي الدّماءِ …تَسيرُ


ألفا مُباركِ (ياسَمينَهْ) تخرٌّجٌ

وتَمَيُّزٌ  (إيرْلَندا)  فيهِ……….… تُنِيرُ


 قفَزاتُ عَدّتْ بالتّميُّزِ، خَيلُكمْ

وَكَذا التّخصُّصُ أنتِ فيهِ …..جَديرُ  


بإرادةِ المَوْلى حفيدَتِي أشْرِقي

وتألّقي ، فالكلُّ فيكِ ………..فَخورُ!


تيتا / عزيزة بشير



الأربعاء، 28 مايو 2025

على طريق الحرير: نصير شمه يفتح نافذة التعاون الثقافي والحضاري بين العراق والصين - 2025 بقلم الإعلامية دنيا صاحب – العراق

 على طريق الحرير: نصير شمه يفتح نافذة التعاون الثقافي والحضاري بين العراق والصين - 2025 


 دنيا صاحب – العراق


هكذا بدأ الموسيقار العالمي نصير شمه مقولته الشهيرة عن رحلته من العاصمة بغداد إلى سور الصين العظيم:


ثمانية أيام فقط... لكنها كانت كفيلة بأن تعيد ترتيب الصور في الذاكرة، وتفتح الأفق لتساؤلات عميقة عن معنى الإرادة، والعلم، والثقافة حين تتحول من شعارات إلى ممارسة حقيقية نابضة بالحياة.


في رحلة موسيقية استثنائية امتدت لثمانية أيام في الصين، استطاع الفنان نصير شمه أن يضع ملامح جديدة للتعاون الثقافي - الفني - الموسيقي بين العراق والصين، مستكشفًا مكنونات حضارة لا تعلن عن عظمتها بضجيج، بل تدعوك لتكتشفها بهدوء وتأمل، بين تفاصيل صغيرة وكبيرة: من نبل التعامل وكرم الضيافة وحياء الوجوه، إلى التفاني الذي يرافق العمل أينما حللت. بلد لا يُقيد تاريخه بسطوة الأنا، بل ما يقدمه بخبرة الحكماء وتعاون الأشقاء، معترفًا بتأثيرات الحضارات الأخرى، كما نعترف نحن بتاريخهم العريق وتأثيرهم المتزايد في فضاءات العالم وبصناعاتهم التي سبقت حتى حاجات الناس.


الرحلة جاءت ضمن مشروع موسيقي يتناول "طريق الحرير"، مستلهمةً روح هذا الطريق القديم الذي لم يكن مجرد معبر تاريخي تجاري قديم ، بل كان شريانًا سريًا يربط بين الحضارات، وممرًا لتبادل الفكر والعلم والفن.


في مدينة كوچا، التي شهدت أثناء وجود نصير شمه افتتاح متحفها الجديد ومسرحها الحديث، كان له شرف أن يكون أول من عزف على خشبة هذا الصرح، بمشاركة أوركسترا صينية مبهرة، وآلات تقليدية كادت أن تندثر لولا شغف الفنان فانغ جين لون، عازف البيبا المُلهم، والمايسترو الذي يقود مبادرات موسيقية وثقافية كبرى في الصين.


شاركه العرض عازفة البيبا اليابانية Tomoka Nagasu، وعازف الغيتار الإسباني José Luis Morillas، إلى جانب نخبة من الموسيقيين والفنانين الصينيين، وفريق فني وإداري اتسم بدرجة عالية من الحرفية والاهتمام، ما جعل التجربة متكاملة ولائقة، ولوحة موسيقية نابضة بالحياة جمعت بين الصين والعراق في تناغم إنساني جميل.


وكانت العين المتفحصة، التي اعتادت التقاط الجمال، تجبر نصير شمه الوقوف أمام كل تفصيلة: من تنوع الأزياء والعمارة، إلى التقاليد والموسيقى، حيث لاحظ تشابهًا لافتًا بين بعض الأشكال الموسيقية الصينية والعربية والعراقية والكردية، وحتى في الأزياء الفلكلورية النسائية، وكأن الأرواح تتشابه في خيوط النسيج، والأنغام تتناغم في لحن عابر للزمن والجغرافيا.


وفي رؤيته المتأملة، يرى نصير شمه أن الصين، وقد رسخت مكانتها كقوة اقتصادية وتجارية عالمية، بدأت تفتح أبواب ثقافتها أمام العالم بشكل واسع  وتعدّ العدة لتقديم موسيقاها للعالم كما قدمت طعامها الذي أصبح جزءًا من حياة الشعوب في كل مكان.


ويقول:

"حين تتجاوز الموسيقى حدود اللغة والكلمات، تصبح هي وحدها القادرة على كسر الحواجز، لأن الإبداع الإنساني، حين يكون صادقًا ونبيلًا، يصبح جسرًا من القلب إلى القلب، و ملاذا للارواح حتى لو تباعدت الأوطان.


لم يكن نصير شمه ينوي الكتابة، لكنه، وهو على متن الطائرة، وجد نفسه يلتقط الهاتف، كأن اللحظة فرضت عليه أن يكتب: شيئًا من الامتنان، شيئًا من التأمل، وذكرى ستبقى محفوظة في الذاكرة و قريبة من القلب، محمولة على نغمة موسيقية شرقية حالمة، وابتسامة مضيف، وصورة لبلد يعمل بصمت… يعمل كي يجعل الحياة أفضل، ويمضي بثقة نحو المستقبل.


لم تكن رحلة نصير شمه إلى الصين مجرد حفل موسيقي عابر، بل كانت إعلانًا واضحاً عن قدرة الموسيقى على جمع الشعوب، وربط الثقافات، وتجاوز حواجز اللغة والمسافات.


تمامًا كما كان "طريق الحرير" جسرًا بين الجغرافيا والتاريخ، جاءت الموسيقى لتكون طريقًا حديثًا يحمل رسائل الحب والسلام، ويعزز التعاون الثقافي والفني بين العراق والصين، وبين دول الشرق الأوسط ودول شرق آسيا ، في عالم بات أحوج ما يكون إلى جسور من الحوارات المبنية على لغة  الحب  والسلام وتعزز الثقة و الاحترام المتبادل.










الثلاثاء، 27 مايو 2025

أمي بقلم الكاتبة ألفة كشك بوحديدة

 أمي 


من قطرة اللبأ الأول 

شعرت بطعم الأمومة 

تقاسمنا الجمال 

منذ الحبل السري 

تعرفت على ضحكتها 

أحسست بأوجاعا و أحزانها 

و أنا بالمشيمة 

أنا لها 

هي لي

على جناحي قلبينا 

تولد حبنا 

تضحياتها غرست الأمل في كياني 

كنت عند حسن الظن 

لبيت مطالبها 

احترمت أهدافها 

نهر أمومتها ارتوى 

من حبي لها 

وسعدنا معا 

سرنا على خطى ثابتة 

ومشينا الهوينى 

نحو دروب الإطمئنان 

أنا لها 

هي لي 

أمي 


ألفة كشك بوحديدة

على أنغام الريشة والألوان معرض للناشئة تغطية الشاعرة الرسامة كريمة بن مسعود

 على أنغام الريشة والألوان، وبأنامل فتية تضيء كالشموع، إجتمع العلم والإبداع ليكون ختام سنة دراسية متميزة مكللة بالنجاح على جميع الأصعدة.

في فضاء يعبق بالألوان ويزخر بروح الإبداع، تألّق معرض اللوحات الفنية الذي جسّد بأنامل تلامذة  ومواهب يافعة وطاقات واعدة. تحت إشراف وتأطير الأستاذة المبدعة كريمة بن مسعود، 

حيث تحوّلت الأفكار الصغيرة إلى رؤى بصرية آسرة، واكتست الجدران بنبض خيالاتهم العذبة. كل لوحة كانت حكاية، وكل لون كان نبضة قلب تُنشد الجمال بطريقتها الخاصة. لقد كان المعرض شهادة حيّة على أن الفن ليس مجرد رسم، بل رسالة، نبض، وامتداد للروح. فكل الشكر لهؤلاء الفنانين الصغار الذين أثبتوا أن الإبداع لا يعترف بالعمر، بل بالشغف والرؤية.


وكان هذا المعرض  مسكٍ نختم به سنة دراسية حافلة بالعطاء، نطوي فصولها بفرح النجاح وبهاء الفن، على أمل أن تحمل السنوات القادمة مزيدًا من الإبداع والتألّق.


ولا يفوتني أن أتوجّه بجزيل الشكر والتقدير للإدارة الكريمة التي وفّرت لنا كل الدعم والظروف الملائمة لإنجاح هذه المبادرة الفنية، وللضيوف الكرام الذين شرّفونا بحضورهم، وأضافوا بأعينهم المتذوّقة بُعدًا جديدًا لهذا الحدث. كما أخصّ بالشكر والامتنان الفنانين العالميين: سي علي الزنايدي وسي سامي الساحلي اللذان لبّيا الدعوة وشاركانا هذه اللحظة الثقافية المميّزة، فكانت لمساتهما ورؤاهما الفنية مصدر إلهام وفخر للجميع💚

🙏💐.

الشاعرة الرسامة كريمة بن مسعود










سطور كتاب عشق....قلم ااشاعر حسـن عبد المنعم رفاعي

سطور كتاب عشق

*****************

رمقتني بعينها فلم ادري

وأَنَّ رُمُوشَهاِ الساحرة سحرتني

أصاب سهم عشقها فؤادي

ملكت قلبي من بين ضلوعي

فصرت اسير جنون الهوى

أعلن علي الملا وأبوح بسري

أعشق وجودها فى حياتي

سراجا يضئ ظلمة ليلي

أغمضت عيني لا أرها أمامي

‏سأكتب لهاَ كتاباً من قلبي

كتبت فيها بكل اللغات عشقي

سطور كتاب عشق لم ينتهي

وادون به احاسيس وجداني

وبلغ الوجد مني يمزقني

سألت كل الدروب عن غرامي

اغار يدا تلمسها غير يدي

و نسمة هوى تداعب جنوني

إن غابت عني غاب قمري

فأنت نجمي و قمر حياتي

أنت لهيب عشقي و زهرة حبي

قربك مني يزيل عَنِّي احزاني

أبقى معي بأفقِ المدى

يتردد صدى صوتِي دعائي

بانها شمس عمري وأيامي

وانها مهد الحضارة والمعاني

لا حياة لـي بدونٍ جميلتي

يَا حبيبتي عُمريِ صُنْ عَهْدِ حُبِّي

لتعرفني بانك قدري وعذبني

أنت مالكة القلب والروحي

ولولا طيفها كان البعد اضناني

فالوصل يا ليلى جنة حياتي

==============

الشاعر الحزين / حسـن عبد المنعم رفاعي

 

ذاكرة المكان..قلم الشاعر محمد مجيد حسين

ذاكرة المكان

 

هل المكان عالم متكامل ؟وهل يملك البًنى القادرة على استِعاب وتخزين التصورات التي تصبح ذكريات لم يكن الغارق في ملكوت الماضي جزءاً منها ؟وهل الإنسان يتغذى من ذ اكرة المكان والتي تُعد مصدر الأفكار وتاريخ الافتراضي لتنمية الحنان والتناغم المؤثر والمسند بدوره على جملة من الأفكار التي تشكل النسيج الذي تتكون منه شخصية الإنسان ؟

هنا سنبحث عن أوجه التقارب والخلاف مابين ذاكرة مخزنة لجملة من الأحداث .وأخرى تستسيغ وتتصور الكثير من الأحداث عبر منظومة هائلة من التراكيب والتي تصل إلى ما يشبه أحياناً المقاطع الوثائقية والتي قد تترسخ في الأذهان وقد تمر على الذاكرة مرور الكرام وفقاً لدقة العمل والرابط بين الشخوص الذين يعدون أعمدة ذلك الموقف إضافة إلى جملة من المواقف التي تتصل ومن مسافات مختلفة مع مركز الذي يًكون زوايا المشهد أو بصيغة أخرى للشخصية أنماط ولكل نمط ذاكرة تختلف عن قريناتها وبنسب متفاوتة وقد نستطيع تلخيصها بما يلي .أولاً مساحات الرؤى لدى الشخص أي الفضاء الفكري الذي يستند عليه في قراءاته .ثانياً ثقافة الحياة التي تنشط آلية عمل الذاكرة .ثالثاً أهمية الذكريات في سلم الأولويات .

ذاكرة المرآة .

تعمل الذاكرة وفق مخطط قد يكون دقيق البنية أو متخبط الرؤى وهي أي الذاكرة تشبه المرآة وهي تُفعل في حال وقوف المرء أمامها وحسب الدوافع التي قادته لمواجهة ظاهر الذات ومن جهة أخرى جاهزية المرآة أو بصيغة أخرى المناخ العام الحاضن للمشهد . المرآة شكل من أشكال مراقبة الذات .وكذلك الذاكرة التي وحسب (فرويد ألهو أي الباطن ) هي التي تُفعل آلية رسائل الموجهة من الخارج والتي تسمى وفقاً لفرويد الأنا حيث الحواس وأما الجزء الثالث وحسب فرويد أيضاً هو الأنا الأعلى وهي التي تعد المراقب حيث الضمير الذي يعمل على خلق التنظيم بين الهو والانا . وبهذا الآليات يتم عمل الذاكرة وآحياناً يحدث ما يشبه التشبيك مابين المكان والذاكرة حيث الأحاسيس والحنين المستمدة من المكان فحتى الجوامد تحتفظ بجزء من أرواح هؤلاء الذين ملؤا أو حتى مروا بالمكان وعندها يتم ما يشبه الحوار ما بين المرء من جهة والمشاعر المخزنة في ذاكرة المكان ويتم البدء بعملية العزف الذهني أو بصيغة أخرى إعادة الملفات المهملة .


وإذا أخذنا بعض الأمثلة على عمل الذاكرة من خلال ذاكرتي .

فهناك بقايا البيت الذي كان شاهداً على ولادة أمي وطفولتها وصباها .هذا المكان لا يبعد عن مكان ولادتي وإقامتي سوى بضعة عشرات من الأمتار أي أني كثير المرور بهذا المكان ومع ذلك لم أفقد سخونة اللقاء به رغم أني لا أتذكر ولو بأي شكل صورة أمي ورغم ذلك كلما مررت بهذا المكان تتجدد الصور والأحاسيس المزودة دوماً بالدموع من جهة وبالفخر الممزوج بالحسرة من جهة أخرى ولن أبالغ إذا قلت بأني مدين لهذا المكان .

وإذا أخذنا مثال آخر على ذاكرة المكان التي تستطيع أنتاج صور جديدة رغم قدم آلية تفعيلها فهناك مكان آخر كان وعلى مدار عقود مركزاً لأحد فروع الأمن على سبيل المثال فكلما مررت بقرب ذلك المكان أتألم وكأني قضيت أوقات طويلة في هذا المكان وآحياناً أحس بتدني منسوب الكرامة لدي رغم أني لم أدخل هذا المكان .كل ما في الأمر هو حديث الناس عما يجري عادة للمعتقلين خلف تلك الجدران .

وبالإضافة إلى الأمثلة السابقة سنأخذ مشهد من أيام الطفولة وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالمدرسة حيث المكان ذو البعد المختلف ففي ذلك المكان كانت بداية نمو الإدراك أو ما يسمى بالمعرفة الحسية لدى الطفل ورغم أن المكان قد تغير ولم يبقى منه سوى بقايا أطلال ومع ذلك مازال مشهدُ جلوس التلاميذ في الصف بكافة التفاصيل محفوظاً في ذاكرتي رغم المسافة الزمنية وتفرق الزملاء .

هذا هي ذاكرة المكان التي قد تسعف الباحث عن المشاهد الشبه المفقودة . كل الأماكن تملك أسراراً أو جزءاً منها لكنها بحاجة إلى من يُفعلها أو يرغب في ذلك .فالإنسان عالم نستطيع أن نصفه أحياناً بسلس وفي أحايين أخرى بالكائن الأكثر تعقيداً .

وإذا انتقلنا إلى جانب أخر من مكنونات الذاكرة في حال التغيير الكامل في جسم المكان أي ثمة حاجز مانع للرؤية من مختلف الزوايا ورغم ذلك تعمل الذاكرة وتستحضر المكان بشكله السابق ولكن بحالات نادرة وحسب الحالة النفسية .فالحنين للماضي يأتي على الأرجح أما في حالات الوعي والراحة وهي تكاد أن تكون شبه مفقودة وأما الحالات الأخرى فهي في حالة الضعف وهي تكثر أثناء الصدمات وفي حالات التفرد بالذات .وفي الأمثلة المذكورة هناك مواصفات غاية في الدقة في حال توفرها قد تكون إمكانية إعادة المشاهد الممكنة وهي قوة الذاكرة التعلق الشديد بالماضي وأهمية الحدث وقرب المسافة الزمنية .

الذاكرة علم بحاجة إلى دراسات عميقة للوصول إلى صورتها الحقيقة .لطالما بحث الإنسان عن المفقودات منذ القدم فالموجودات لا تشبع ظمأ الذات وكما ذكرنا وبحسب فرويد ألهو أي الباطن هو النواة التي تقود عملية تفعيل الذاكرة وهي بدورها تجد تتمتها في ذاكرة المكان والزمان .

   محمد مجيد حسين – سوريا 




الاثنين، 26 مايو 2025

كيف ترى العراق في تونس بقلم الشاعرة دلال جويد

 كيف ترى العراق في تونس


قبل عشرة أيام حطت طائرتي في تونس العاصمة حيث تلقيت دعوة كريمة لحضور مهرجان نور تونس الثاني، وصلت وأنا أعد قلبي بكثير من الفرح فالشمس التي أعرفها تنتظرني لتبدد غيوم لندن وبردها.. في تونس يستقبلني النخل فأعرف اني قريبة من العراق.. ويستقبلني أهلها بعبارة (عسلامة،نحب العراق) وأنا أحبكم، موظف الجواز يسألني وجهك عراقي هل إنت عراقية؟ وأجيب نعم وقلبي عراقي جدا.. ويجيبني ( نحب العراق)

هكذا تجرني تونس نحو العراق حتى ألتقي أصدقاء المهرجان العرب والعراقيين فأعرف أني وصلت إلى قلب المكان الذي أريد. تتلى قصائد عراقية، تحضر فلسطين بصوت صديقتي العذبة البطلة رولا اشتيه، التي تعبر الحدود كل مرة لتأتي برائحة الحرية التي نحلم بها.. ويأتي شاعر عربي يقطر طيبة ليقول بمحبة صادقة( أحب العراق) بينما يقول صاحبه جذوري عراقية، وأعرف اننا كلنا نحب العراق.

في المهرجان الأرواح الجميلة تقدم جمالها وتجتمع على محبة وارفة فنبكي حين يقف مبدعنا الكبير  يحيى السماوي على منصة الشعر ويأخذنا عبر غربته التي تشبهنا إلى العراق، بينما ناي الفنان المبدع العزيز ستار الساعدي Sattar Alsaadi يعيدنا إلى الهور وقصبه، ويرجعنا الدكتور الفنان العزيز   ناصر هاشم بدن على درب الشوق للبصرة وصوت حبيبتي الغالية الدكتورة Sundusayah Kaisy يذهب بنا  إلى صوت أنوار عبد الوهاب وهي تمزج العاطفة بالسياسة في أغنياتها.. ويأخذنا الصديق الشاعر ستار الدليمي إلى كل طيبة العراق في قصيدته متناغما مع صديقي الشاعر الورد مفيد عزيز البلداوي  الذي يحلق بالشعر كما ينبغي.

أما التشكيل فلا تجد إلا عراقا فيه فصديقتي الرائعة د.عايدة الربيعي تقدم لنا السمك المسگوف خالدا في لوحتها بينما أتسلل لأدخل  لوحة الفنانة المبدعة إخت القلب بان الحلي Ban Al-hilley كي ألاحق اثر الشاعر وكتابه وأجلس حمامة عراقية في زاوية اللوحة، أنا التي أبحث عن قرط يناسب يأسي الذي يرسمه صديقي وأخي الفنان اللطيف الخجول هاشم الشطري وهو يضمن نصي في لوحته الجميلة..

في تونس ألتقي أخوة وأخوات أحبهم جميعا وهم يعرفون هذا الحب ويقدرونه، ومنهم القريب جدا إلى القلب أخي الغالي المترجم المبدع محسن عواد Muhsen Awad الذي قدم لي هدية كبرى لا أعرف كيف اشكره عليها وهي ترجمة مجموعتي في (الوردة ما تيسر منك) إلى السويدية لتصدر بنسختين عربية وسويدية ويقدم دراسة عنها في المهرجان فأي حظ عظيم أمتلك وأنا محاطة بكل هذا الحب..

في تونس التقي لبنان في وجه الشاعر الجميلة وفا يونس Wafaa Z Youness، كما ألتقي الجزائر والمغرب وعمان والسعودية في قلوب اصدقاء  أحبهم وأعرفهم ويعرفونني بقدر معرفتنا للبلاد التي تسكن قلوبنا. 

في تونس التقي مبدعي تونس ومنهم صديقتي الغالية الشاعرة المهمة أحلام بن حورية وصديقي العزيز الفنان فاروق بن حورية، وشاعرنا الكبير لطفي عبد الواحد Lotfi Abdelwahed والشاعرة قمر النميريKamar Nmiri التي تعمل بدأب خلف الكواليس وتتحمل غضبنا وعنجهيتنا برحابة قلب.. التقي شاعرات وشعراء تونس وشبابها وشاباتها المحبين للعراق وللشعر وهم يرحبون بنا بلطف بالغ.

نصل نهاية أيام المهرجان ونحن محملون بالشعر والموسيقى والفن والمحبة التي جمعنا بها صديقي احمد الصائغ رئيس مركز النور منظم المهرجان، فأرى دموعا في عيون العراقيين وكأنهم يودعون نخلة الدار.. تلك المشاعر لا تجدها إلا في تونس التي أخذتنا بمحبتها إلى العراق فشكرا من القلب لكم..

الشاعرة دلال جويد