بسم الله الرحمن الرحيم
أمسي ، يومي وغدي ...
تحضر وتغيب ، هي المقادير والحظوظ ، قد أخطئ وقد أصيب ، أحب التراث جُلّه ويقلقني بعضه، أطرب لموال جبلي ويشنف أذناي لحن ساحلي ، ويهز رأسي دحيّة* بدوية أصيلة ، وأمتع ناظريّ بثوب فلّاحي مُعرّق ومُمنجّل وبلا ، بقصّاته وتفصيلاته وألوانه ، خاصة إن حاكته أمي على ضوء مصباح خافت في ليلة شتائية هامسة باردة ، معطرة بتنشيف أعواد الميرمية والزعتر ، وعبقة برائحة المفتول والشعيرية البلدية ، وتنتظم دقات قلبي ويهدأ روعي لحكاية محكية ، فأخال نفسي حسن الشاطر * ، وأحب الشراب والأطعمة العتيقة وأتلذذ بها ، ف " دبس العنب مسمار الركب " و " الزيت عمار البيت " و " أيام التين ما في عجين " و كُلْ قليّة واشرب ميّه وان جعت حقك عليّ " *...أباهي بدلعونا وزريف الطول ، وأشعر كأني على قمة طلل وإطلالة مستقبل ...
يزعجني الإحتفالات التي تخص الطهي فأنا لست طبائخيّاً ...صار لكل أكلة حفلاً ورنّة ، فيوم للمقلوبة* وأسبوع للكنافة ، وطبق مُجدّرة يفرط حبات عدسه نحو منظومة الأرقام العالمية ، وأكبر إبريق شاي مغليّ على الحطب و ... وآخر فذلكة وصرعة " مهرجان قلّاية البندورة الفلسطينية " !! والقادم أدهى ، فقد يأتي عيد لأكبر حبة ششبرك وأحمر بطيخة ، وقد يُكرّم أتيس تيس وأعلج علج وأغبى غبي ، وقد نُشيّد من "شعر البنات"* ناطحات سحاب !! حقاً ، إننا نسير في خراب يتبعه خراب ونهرول إلى سراب ، ونجري في سرداب يسكنه سرداب ... أعذروني إن لزَّ وشد قلمي بعبارات كأنهن يابسات ، فأمسي عريق وحاضري وجيع ومستقبلي؟ ... ولكن فضلاً لا أمراً ونصحاً لا قسراً ، فلنُوثق العنان لحواسنا المنفلتة التافهة ، فالموقف يستدعي وقفة ... الخير ما فنى وما زال فيه بقية... نجدد العهد والعزم والنيّة ، ونرقى بالقيم والفكر والسلوك ، ونكون كما أريد لنا ، خير أمة أخرجت للبرّية ،،،
---------------------------------------
* دحيّة : لون غنائي بدويّ .
*معرق وممنجل : تطريزات أثواب فلسطينية قديمة .
*المفتول والشعيرية : أكلات تراثية فلسطينية .
*حسن الشاطر : بطل قصة شعبية .
*المقلوبة ، المجدرة وقلاية البندورة : أكلات فلسطينية .
*كنافة : حلوى نابلسية .
* شعر البنات : حلوى مصنوعة من السكر على شكل قطن .
---------------------------------------
الأديب : خضر إمواس .فلسطين
تشرين الثاني / 2022 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق