آخر المنشورات

الأربعاء، 24 مايو 2023

شقائق النعمان..قلم الشاعر صلاح لافي

 شقائق النعمان..

السماء صافية،والعصافير تحلق عاليا 

باسطة أجنحتها مستبشرة بربيع معطاء.حقول شاسعة بهية بمختلف أنواع العشب والأزهار بدت كزربية مزركشة ..الأعشاش تتوزع بين الشجيرات وسنابل القمح المحملة حبوبا .

الصبية يتوزعون في طمأنينة ،لا تكاد تظهر قاماتهم الصغيرة..حركة خفيفة للسنابل تدلك على تحركهم وهم يبحثون بتركيز على أزهار شقائق النعمان..

جوائز بانتظارهم..قطع حلوى من معلميهم ،وكؤوس 'السٌحلب' الدافئة من يد حارس المدرسة صباحا..بعلبهم القصديرية ،يركضون في كل الاتجاهات ،فالشمس قاربت أن تتوسط كبد السماء..حرارتها ترتفع ..

-شمس الربيع مضرة..

هتف شفيق .فالتحق به بقية الأقران متباهين بما جمعت أناملهم الصغيرة..آثار أزهار شقائق النعمان بدت واضحة على أكف بعض الذين يقطفون الأزهار بتهافت واضح رغبة في تحصيل أكثر ما يمكن،وطمعا في الظفر بمكافأة..

الجميع يشقون طريقهم وسط الحقل ،يتبعون كبيرهم الذي خبر طريق العودة..

- آه،عش جميل..أربع بيضات...صاح فوزي..

يتحلق الأطفال منبهرين باختيار العصفور لعشه الصغير..بدا آمنا ،وسط عشب كثيف..بناء مميز،بيضات سخنة..

- لا تلمسها ..

هتف سعيد..مصبف..

-قد لا يعود العصفور لعشه..

واصل الصبية طريق العودة وحال الخروج الآمن من الحقل بلا مخاطر ..ركض كل في اتجاه منزله..

واجبات مدرسية بانتظارهم،واستحمام يتهيبون له. أجسامهم النحيلة لا تتحمل برودة الماء الدافئ نسبيا ..تضعه الأمهات في قصعة حديد كبيرة ،مزدوجة الاستعمال..لغسل الثياب  تارة ولتسخين الماء  حينا آخر  أشعة الشمس كفيلة بتدفئته...

مع الفجر ،يغادر الأطفال منازلهم المترامية الأطراف بالريف..يسرعون نحو المدرسة البعيدة ..الركض يجعلهم لا يشعرون ببرودة الطقس..نسمات الربيع تجعل الأجسام النحيفة ترتعد فرائصها..حرص كبير من الجميع لتأمين علب القصدير بمختلف أحجامها..أزهار شقائق النعمان تحافظ على نضارتها..بعض الصبية يتناول حبات التمر  على عجل..المدرسة لاحت قريبة أخيرا..المسالك المتشعبة تلتقي في طريق واحد يوصل لمنارة العلم..تلتقي جموع التلاميذ أخيرا..بأيديهم الصغيرة الممسكة بالعلب،يتباهى التلاميذ بباقاتهم..

تشكل كلها لوحة مميزة..اقتلعت من الحقول وهاهي تتجمع من جديد،ولكن بلا جذور..

ولا تدري مصيرها ..تحية الصباح تختلط بهتافات الأطفال وهم يلتقون يجمعهم الطريق..

صفارة المدير تضع حدا لهرج التلاميذ بساحة المدرسة..اصطف الأطفال أمام اقسامهم.تحية صباحية للمدرسين..وتسابق في الجلوس على مقاعد الدراسة..العلب توضع بعناية على الطاولة..المدرسون معجبون بما جمعه التلاميذ..رائحة مميزة ،وألوان زاهية تضفي جمالا وعطرا بالأقسام..المدير يقوم بجولة بمختلف الفصول..يتبعه حارس المدرسة..

بانتظام يغادر التلاميذ خلال فترة الاستراحة ،باتجاه قاعة صغيرة..يقوم كل واحد بوضع ما جمع بعلبته وقد حرص على لصق قصاصة ظاهرة وبخط واضح اسمه ولقبه وفصله..عشرات العلب تبدو في تنظيم محكم على طاولة كبيرة..

رائحة 'السحلب' تثير شهية الأطفال..

الكل حصل على نصيبه..  

كما وزعت  قطع الحلوى على الجميع..

المدير والمدرسون وحارس المدرسة شكروا تلاميذهم على مجهوداتهم...

الحبر الأزرق لم يعد متوفرا بالمحابر الصغيرة المثبتة على طاولات الدرس.

الحارس يظهر مجهودا واضحا وهو يعد الحبر ..إناء كبير به بعض الماء أضاف إليه الخبير كل ما جمع الأطفال من أزهار شقائق النعمان..بخار كثيف يتصاعد  ،وتحريك بعصا المكنسة..

راح الحارس يتفقد الآنية ،لحين أصبح ما بالقدر الكبير يميل للٌون البنفسجي مع بعض الزرقة.. المدير يراقب العملية عن كثب..

أفرغ الحارس السائل في إناء ..

غمس المدير ريشة الكتابة ،في السائل..

 خط بوضوح وبجمال...

العلم نور..

ثم وضع الجفٌاف على القصاصة ليزيل آثار الحبر..

وهكذا قام كل المدرسين بالتناوب بتجريب السائل...

قل الحق ولو كان مرا..

وهكذا تتالت عبارات وحكم ومقولات وأحيانا أبيات شعر  علقت جميعها لتزين جدران الأقسام ..

مخزون الحبر يكفي للموسم الدراسي الموالي..وسيحرم الصبية صيفا من جمع ثمار شقائق النعمان ..فاكهتهم المحبذة..ستبقى بذورا بأماكنها وسط الحقول لضمان تكاثرها..

لتوفر الحبر لرفع الأمية عن الصبية  .

صلاح لافي / تونس.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق