«[4]»ثقافة الندم والتوبة عند أهل الفن«[4]»
رؤيتي : د/علوي القاضي.
... تكلمنا فى الجزء الأول عن المعاصي والذنوب المستدامة وبالذات الأعمال الدرامية ، وضرورة الندم عليها ، والتوبة منها ، ودور الإعلام الفاسد في نشر الرذيلة ، وفي الجزء الثاني أضفنا حديثا عن النادمين التائبين من أهل الفن مشمول بتصريحاتهم ، وتسفيههم لما قدموه ، وكيف أن (أم ماريو) كشفت سوءاتهم وزيف دعوتهم في فيلم (ريش) ، وفي الجزء الثالث تكلمنا عن نجاح عمر الشريف كفنان وفشله كإنسان ، كذلك أوضحت أن السينما العربية لم تفيد المجتمع في شئ وإكتفت فقط بنشر الرذيلة والفسق والفجور ، وعرض مشاكل المجتمع العربي ، ولم تقدم حلولا ، بحجة أنها تجسد الواقع ، مع أنه لوصرفت هذه الملايين على الواقع نفسه لحلت كل المشاكل وحافظنا على المجتمع من الفساد والفقر ، وهنا نستكمل
... دائما كانت وجهة نظري أن التمثيل ، ماهو إلا تمثيل على المشاهد نفسه ، بمعنى أن الممثل يمثل على المشاهد حياته التي يعيشها ، لأن هذا الدور هو حياته أصلا ، وهذه الأدوار أصلا كانت حياتهم ولابيمثلوا ولاغيره ، ناس تاخد ملايين في حاجات عادية ، يعيشها كل الناس يوميا ، وكله أونطة فى أونطة ، وللأسف دور الإعلام الفاسد الإستماتة في الترويج لهذه التفاهات وتلميع هؤلاء التافهون
... في فترة شبابنا ، كنا بنحب المظاهر والشهرة ، فمنا من كان يقلد الفنانين في ملابسهم وتسريحة شعرهم وأحذيتهم وطريقة كلامهم وإفيهاتهم ولازماتهم و ،، و ،، حتى أسماءهم ، أتذكر حينما رزقت بإبنتى أشار علي صديق وإسمه (حمدي) بأن أسميها ليلى ( تيمنا وتبركا بالشيخة ليلى علوى ) قدس الله روحها ، حتى تحل بإبنتى البركات والتجليات ! ، وكان مبرره أنه أطلق على إبنه إسم عماد ( تيمنا بالشيخ القطب الفنان عماد حمدي ) للأسف كلها تفاهات ، وسطحية في الفكر ، وضيق في الأفق وتخلف وجهل بالحياة ، حتى الفنانين أنفسهم تغمرهم السعادة ، عندما يشار إليهم في الأماكن العامة ، وينادونهم ويلاحقونهم الجمهور ، أتذكر من أربعين عاما حضر ( أميتاب باتشان ) إلى مصر ، وقام الإعلام كالعادة بحشد الناس لإستقباله في المطار وفعلا إمتلأت المواصلات بالجماهير متوجهة للمطار ، ماأثار غضبى أن أحد المعجبات صرخت صرخة دهشة وإعجاب ، ثم ألقت بنفسها بين ذراعيه وأغمى عليها وفقدت الوعي ، ومما زاد الطين بلة أن الإعلام إستدعى تلك المعجبة فى برنامج ل (نجوى إبراهيم) في نفس الليلة لتشرح للمشاهدين إحساسها ومشاعرها حينما رأت الممثل الهندي ، هل رأيتم تخلف وسطحية وإسفاف أكثر من ذلك ، والآن عندما كبرنا وعجزنا ، وزادت البصيرة على حساب البصر ، ألا يجب علينا حينما نتذكر هذه الأحداث أن نضحك ونسخر من أنفسنا ، كيف كنا نفعل هذا ؟! ولماذا ؟! وماسر سعادتنا وقتها بالشهرة والمشاهير والإهتمام بأخبارهم ؟!
... المشكل أن الإعلام يقوم بتكثيف الدعاية في صحف الإثارة التي جعلت من الفنانين والفنانات نجوما وحولتهم إلى شخصيات خارقة وقدوة ، وكذلك الصحف الفنية ، حولتهم إلى بشر فوق العادة ، وقدمت لهم إغراءات وأموالا طائلة ، بينما الكثير منهم لايستحق تلك الهالة ، فبداياتهم كانت متواضعة جدا ، ودخلوا مجال الفن قدرا وأحيانا بطرق ملتوية ولاأخلاقية
... أصلا مصطلح تمثيل ، بحد ذاته مصطلح مخادع ، لأن الممثل يوهم الآخرين بأشياء هو نفسه لايؤمن بها ولايطبقها على أرض الواقع ، وإن حاول إلهاء الآخرين بها يحتقر نفسه
... ثم ماذا قدمت الأعمال الدرامية للأمة من إنجاز ، فالتلقائية والعفوية والمعاناة الحقيقية لأي شخص ، هي التي تفيض بالصدق وأكثر تأثيراً ويصدقها الآخرون ، وعمل الشئ علي حقيقته بدون تمثيل ، يصل ويلامس قلب الإنسان ، لأنه شئ مميز وغير مصطنع ، لذلك الفنانون والفنانات لايصلحوا أن يكونوا قدوة ، ألم تلاحظوهن في المهرجانات شبه عراة ، بل ويتسابقن بعضهم ضد بعض ، من تعرى جسمها أكتر من الأخرى فهذه إمكاناتهم وبضاعتهم وجواز مرورهم وتميزهم في مجال الفن
... أثناء عرض فيلم ( ريش ) لفت نظرى أن كل الفنانات إنسحبوا من مشاهدة الفيلم بحجة أنه ( فى رأيهم ) يسيء لمصر ، ولكن لم يعترفوا لنا أن هذا هو واقع مجتمعنا الحقيقي ، وليس مجتمعهم المزيف ، كما يفعلون في أفلام الدعارة والمخدرات التى يقدموها ، بحجة أن هذا هو الواقع ويسيؤون للمجتمع بكاملة ، كذبوا والله ! ، وكأن النماذج المحترمة قد إنتهت من مجتمعاتنا العربية ، فبطلة فيلم (ريش) إمرأة مكافحة ترعى أسرتها ، وليست داعرة أو تبيع نفسها ، فهي ليست من واقعهم الفاسد ، الٱن يجب أن يفرق الجمهور بين واقعنا كمجتمع عربي مسلم ومسيحى محافظ ، وواقعهم الفاسد بالخمر والسكر والعربدة ، واقعنا الحقيقي كفاح وتعب وجهد ، لكى نستر أولادنا ونحميهم ، وواقعهم دعارة ومخدرات ، تهم يلصقوها بالمجتمع ، وهو منهم بريء ، هكذا هم
... صحيح أن الشهرة رائعة والمال رائع ، ولكن سلام النفس الداخلي أهم ، وهو دفء الأسرة ، والتفاف الأبناء حول الأب المسن أهم شئ ، وهذا مالمسة فيلم (ريش) وهذا قمة الدفء الذي تحدث عنة عمر وأفتقده في ٱخر أيامه
... الفنان العالمي ( كلينت إيستوود ) في سن التسعين قال نفس الكلام عن أهمية تكوين أسرة ، واعترف أن غفلة الأضواء والشهرة خسرته الشىء الأهم في الحياة وهو البيت والحياة الأسرية ، ولذلك كان رأي عمر أن الأموال التي جناها من التمثيل كلها حرام ، لأنه لم يقدم قيمة حقيقية للمجتمع
... معظم الفنانين أصابهم الغرور والكبر ، وأقول لمن يروا أنفسهم آلهه ، من زمرة الفنانين والفنانات والراقصين والراقصات ، وهم لم يقدموا شيئا للمجتمع لاإختراعات ، ولاحتى حل لمشاكله ، مافعلوه فقط هو إدخالهم لعادات غربية غريبه عن تقاليدنا وعاداتنا وأخلاقنا أفسدوا بها المجتمع
... كلام ( شارلي شابلن ) نفس كلام عمر في مرحلة ما من حياته ، هذه هي الطبيعة والفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ليتنا نعي هذا قبل فوات الأوان ، فالنجومية والعالمية للفنان لاقيمة لها ، وكلام مبالغ فيه ، فلنتواضع ، ونخلع ثوب التعالي والغطرسة ، ونضع أقدامنا على أرض الواقع ، يجب علينا مراجعة حياتنا ، ماذا كسبنا وماذا خسرنا ، وماذا قدمنا لمجتمعاتنا ، وماذا لوسعينا لتكوين أسرة بدلا من السعي لأشياء تافهه ، سنتركها ، مثل الشهرة والمال والبهرجة الكذابة
... لذلك دائما نهاية معظمهم الإكتئاب والعزلة والإنطواء ، فنهاية عمر كانت بائسة ، حالة نفسية منهارة وسيئة جدا ! ، ويعيش في غرفة صغيرة منعزلة في أحد الفنادق في أطراف القاهرة حتى وفاته ، نهاية محزنة لفنان عالمي ! ، هذه النهاية تؤكد أنه ، لاقيمة للمال أو الأولاد أو الشهرة أو الجاه أو السلطان فكلها للدنيا الفانية ، والباقيات الصالحات خير وأبقى ، فى جنازتك سيتركك كل هذا ويرجع حتى أقرب الناس لك ، ويبقى عملك يرافقك فى قبرك ، إن كان خيرا فخير ، وإن كان غير ذلك فلاتلومن إلا نفسك ، فاندم على مافاتك وتب إلى الله ، وأقول لكل إنسان أخطأ ، حول ندمك لتوبة ، فالندم عقاب ، والتوبة مكافأة
... ياأهل الفن ، أنتم في مرحلة الندم علي ماقدمتم ، فنتائج أعمالكم السيئة أصبحت فجة ، ويجب أن تستحضروا مشاعر اللوم ، وتعضوا أصابع الندم على مافاتكم ، وتكرهوا أخطاءكم ، فالتوبة هي مشاعر ندم ، لأنها عاقبة للفعل السئ ، ويتبعها الإستغفار لله سبحانه وتعالى ، مع العزم على تصحيح الخطأ وتعديل السلوك
... الكل يحتاج اليقظة ( من ندم فقد تاب ، ومن تاب فقد أناب ، ومن أناب نال رضوان الله ) ، يجب علينا الإسراع في الندم على فعل المعصية ، والتوبة منها دون تسويف ، فالتوبة هي ( الندم على مافات ، واستدراك ماهو آت ) ، فافهم حقيقة هذا التكليف ( بل الإنسان على نفسه بصيره ) ، ف ( من ندم تاب ، ومن تاب أناب ! )
قال تعالى ( وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون )
... تحياتى ...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق