في المولد النبوي الشريف: تختلف الطقوس..في العالم الإسلامي..لكن الهدف واحد
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ.. وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ”، لم تكن كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي في حب المصطفى عليه السلام سوى تجسيد لحالة العشق الأبدي لصاحب المقام المحمود والحوض المورود واللواء الممدود، ومن ثم كان يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم حدثًا استثنائيًا في تاريخ البشرية، له مكانته الغالية في نفوس المسلمين في شتى أركان المعمورة.
ومع قدوم مولده – عليه السلام – تتبارى الأمم والشعوب في إحياء هذه الذكرى العطرة، كل حسب طريقته، فتتباين الطقوس هنا وهناك، وتتنوع مظاهر الإحياء ما بين دولة وأخرى ومدينة وغيرها، ورغم هذا الثراء في طقوس الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وتعدد مظاهره غير أن هناك رابط واحد يجمعها وسحابة كبيرة تظلها ألا وهي حب النبي صلى الله عليه وسلم.
تباين تاريخ بدء الاحتفال :
تتباين الآراء بشأن أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف، غير أن أكثر الروايات انتشارًا في هذا الشأن، أنها بدأت مع ظهور الدولة الفاطمية (909-1171)، حيث كان لهم عدد من الأعياد والمواسم التي يحتلفون بها منها: يوم عاشوراء، مولد النبي – صلى الله عليه وسلم -، مولد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -، مولد الحسن ومولد الحسين – عليهما السلام -، مولد فاطمة الزهراء – عليها السلام -، مولد الخليفة الحاضر، ليلة أول رجب، ليلة نصفه، ليلة أول شعبان، ليلة نصفه، موسم ليلة رمضان، غرة رمضان، سماط رمضان وليلة الختم، موسم عيد الفطر، موسم عيد النحر، عيد الغدير، كسوة الشتاء، كسوة الصيف، موسم فتح الخليج، يوم النوروز، يوم الغطاس، يوم الميلاد، خميس العدس.
وتشير كتب التاريخ إلى أن أول احتفال بهذه الذكرى كان في عهد المعز لدين الله الفاطمي (952-975) حين نزل مصر قادمًا من المغرب، فكان من بين طقوسه في إحياء هذا اليوم إغداق الأموال والعطايا على الفقراء وتعليق الزينات وإقامة الولائم وتيسير المواكب العظيمة والجند الكثيرة بالأعلام والأبواق، فاستولى المعز بهذه الاحتفالات على قلوب المصريين المعروف عنهم حبهم الشديد للنبي – عليه السلام – وآل بيته الكرام.
الملاحظ أن كل الشعوب العربية الإسلامية تحرص على استحضار بعدين أساسيين في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؛ البعد الأول روحي ديني تعبدي، ويتمثل في سلسلة الاحتفالات الدينية التي تقوم على الصلاة والأناشيد والأذكار والأغاني التي تحتفي بالقيم النبوية، أما البعد الثاني فينهض على إضفاء خصوصية على هذا اليوم من خلال إعداد قائمة خاصة من الأكلات قد تختلف من قطر إلى آخر إلا أن الثابت أن ذلك يحصل أيضا بغية إطعام أكثر ما يمكن من الفقراء وكذا الأقارب والجيران، ولأجل ذلك كان لكل قطر عربي مجموعة أكلات وحلويات تعد خصيصا في يوم المولد..
المكانة الكبيرة للمولد النبوي الشريف بدول المغرب العربي :
تتميز دول المغرب العربي بانتشار العديد من الطرق الصوفية بها، هذا بخلاف أنهم كانوا الموطن الأول للفاطميين قبل قدومهم إلى مصر،ومن ثم فإن للمولد النبي لديهم مكانة كبيرة وطقوس ترتبط بالتراث أكثر منها بالحداثة.
ففي تونس تعد مدينة القيروان مركز الاحتفالات الرئيسي بذكرى المولد النبوي، وذلك لما تتمتع به هذه المدينة من قيمة تراثية وثقافية كونها مصدر الثقافة الإسلامية في تونس، وقد شهدت أول احتفال للمولد النبوي في تاريخ تونس عام 1329هـجريًا.
تتنوع مظاهر الاحتفال بالمولد في تونس ما بين حلقات الذكر والإنشاد الديني والابتهالات، بالإضافة إلى وجبة العصيدة التي يعدها التونسيون خصيصًا لهذه الذكرى العطرة، التي يدخل الصنوبر كمكون أساسي لها، كما تنبعث روائح البخور من معظم البيوت التونسية كأحد مظاهر الاحتفال بهذا اليوم.
أما بخصوص الجاليات الإسلامية في الخارج لا يقتصر الاحتفال بالمولد النبوي على الدول الإسلامية فحسب، فالعديد من الجاليات الإسلامية في دول أوروبا وأمريكا وآسيا يحيون هذه الذكرى بطقوسهم الخاصة أيضًا، حيث دأب المسلمون في هذه الدول مع قدوم شهر ربيع الأول على إقامة حلقات الذكر والدروس الدينية داخل المجمعات الإسلامية والمساجد المقامة هناك.
ويحرص المسلمون في هذه الدول على استغلال أي مناسبة دينية لتنشيط الوازع الديني لديهم خاصة في ظل ما يعاني بعضهم من حرمان معايشة الطقوس الدينية المعتادة في الدول الإسلامية، ومن ثم يتلهفون ذكرى كهذه لعقد المحاضرات والندوات والتهادي فيما بينهم بالكتيبات والمطبوعات الإسلامية وغيرها.
على سبيل الخاتمة :
وُلد سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل،حيث أضاء بحسنه مكة المكرمة التي ولد فيها فكان بشرى لأمه آمنة بنت وهب، وخير خلف لأبيه الهاشمي المتوفى عبد الله بن عبد المطلب ومصدر فخر وسرور لجدّه عبد المطّلب الذي تبنّاه بعد وفاة أمه، ثم ولّى أمره لعمه أبي طالب من بعده، فعاش الرسول الكريم أربعين سنة قبل البعثة، وثلاث عشرة سنة بعدها في مكّة المكرّمة، فيما قضى العشرة الباقية من عمره في المدينة المنوّرة.
وتوفي رسول الله محمد في شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة وترك فينا شوقاً متجدداً للقائه لا يخبو، فلنسعى ليكون دافعاً لنا لعمل الخير، واستحضار الرقابة الإلهية والنبويّة لنا كما قال الله في عزيز كتابه (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، ولنعتصم بحبل الله وسنة رسوله لئلا نضل أبداً، ولنلحق بمراكب الغانمين بشفاعته وحلاوة جواره يوم الدين.
قال الشاعر أحمد شوقي :
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ
لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق