قراءة نقدية لقصيدة "ريّ الفؤاد"
بقلمي المشترك مع الأستاذ الصحفي الشاعر محمد الوداني كتدقيق لغوي الاستاذة الشاعرة الأديبة غزلان البوادي حمدي واشراف نقدي قلمي د مصطفى محمد العياشي
قصيدة "ريّ الفؤاد" للشاعرة عائشة ساكري هي نص رومانسي يعكس مشاعر العشق والانكسار أمام الحبيب، مستخدمة لغة شعرية تمتزج فيها الطبيعة بالمشاعر الإنسانية. إليك تحليل نقدي لبعض عناصر القصيدة:
1. المضمون:
القصيدة تدور حول حوار داخلي بين المتحدث والعصفورة، التي تجسد الحبيبة. تبدأ بوصف العصفورة في قلب زهرة، ثم تستمر في التعبير عن شعور الحبيبة باللقاء بعد طول الفراق. القصيدة تصور مشاعر الحب والحنين بأبعاد عميقة، وفيها إشارات للانكسار والضعف الناتج عن الزمن والمعاناة.
2. الصور الشعرية:
الطبيعة والتشبيه: القصيدة مليئة بالصور المستمدة من الطبيعة مثل "عصفورة تختال"، "أوراق أيلول"، و"الزهر الندي". هذه الصور تضفي رقة وجمالًا على النص، وتعكس رهافة الشعور العاطفي.
التجسيد: تصوير العصفورة وكأنها تجسد مشاعر الحبيبة، يجعل الحوار مع الطيور تجسيدًا لمشاعر الإنسان، مما يمنح النص بعدًا رمزيًا عميقًا.
3. اللغة والأسلوب:
اللغة الشعرية: الشاعرة تستخدم لغة عذبة وسلسة، مليئة بالتشبيهات والاستعارات. هناك تماسك بين الصور التي تتوالى بتدفق هادئ، مما يعزز الشعور بالانسيابية والراحة في النص.
النداء والمناجاة: القصيدة تعتمد أسلوب الحوار الداخلي، حيث تتحدث العصفورة مع المتكلم وتطلب الحنان والحب. هذا الأسلوب يضفي إحساسًا حميميًا وعاطفيًا قويًا.
4. الهيكل والبناء:
التقسيم والتوازن: القصيدة مبنية على شكل حوار متبادل بين العصفورة والمتكلم، حيث تنتقل من وصف حال العصفورة إلى مشاعر الحنين والانكسار. هذا التنقل بين الوصف والحوار يخلق توازنًا في النص، ويعطيه إيقاعًا متناغمًا.
الختام: تنتهي القصيدة بنبرة تفاؤلية رغم الحزن السائد، حيث يقدم المتكلم الحل للعصفورة: "اشربي من عطر الندى ولا تذبلي". هذه النهاية تمنح القارئ إحساسًا بالأمل والشفاء، ما يعزز التوتر العاطفي داخل النص.
5. النقد والتحسين:
التكرار: هناك بعض التكرار في التعبير عن المعاناة مثل "الانكسار" و"الوجع"، والذي يمكن أن يستفيد من إعادة صياغة أو إثراء الصور الشعرية بمزيد من التنوع.
التكثيف: بعض الأبيات قد تستفيد من تكثيف الصور أو التعبير بطريقة مختصرة، خاصةً في الأبيات التي تشرح المشاعر بشكل مباشر. هذا قد يعزز قوة النص ويجعله أكثر تأثيرًا.
6. الرمزية:
العصفورة: هي رمز للحب الضعيف الرقيق، الذي يعاني ولكنه يظل يبحث عن الأمل والشفاء. استخدام العصفورة كرمز يعكس حالة الانكسار والبحث عن الحنان والراحة.
الخلاصة:
قصيدة "ريّ الفؤاد" تتميز بحساسية عالية وقدرة على استحضار الصور الشعرية المليئة بالعواطف. نجحت الشاعرة في خلق حوار عاطفي مؤثر بين المتكلم والعصفورة، مما جعل النص ينبض بالحياة. يمكن للشاعرة تعزيز قوة النص من خلال تقليل التكرار وإثراء الصور الشعرية، لكنه في مجمله يعكس رقة المشاعر وسلاسة التعبير.
**ريّ الفؤاد**
في قلبِ زهرةٍ تختفي...
عصفورةٌ من حسنها تختالُ...
سألتُها عن حالها، قالت لي:
لقيتُكَ بعد العزِّ والوصال...
فاهتزَّ ريشي في يديكَ،
كأوراقِ أيلولٍ مع الزوالِ...
وتفتحَ الزهرُ النديُّ على
صدري، وفي جسدي انسكالِ...
واعترتني هزة... خذني
إليكَ، ضمني يا حبّ قلبِي...
ما بال قلبي كلما هبَّ الهوى
وخفق الجناحان فوق كفّي؟...
لا تسألني عن فؤادي، إنه
مسافرٌ إليكَ، وفي دمي يجري...
قلبي من ذلِّ الزمان قد انكوى
بين الضلوع تمزَّقا من وجدي...
فاصبُب له من حنانكَ علهُ
يرفرفُ بالأمس عاشقاً في صدرك...
وفي خفيةٍ تأملتها، وفي
القلب غصةٌ، فقلتُ لها:
عصفورةٌ من جرحها ترتقي
اشربي من عطرِ الندى ولا تذبلِي
سيكون بلسماً
يشفي الفؤاد الرهق
فلا تتكدري.
عائشة ساكري - من تونس



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق