على هامش استشهاد الناشطة عائشة نور برصاص حفاة الضمير..
موتك سيظلّ وصمة عار..على جباه-لا تعرق خجلا-..!
-علّمنا التاريخ،أنّ السفّاح-بما يريقه من دم-..يحدّد الثمن النهائي لدمه..( الكاتب)
خبأت فلسطين خلف الشغاف،ورفعت علمها بجسارة من لا يخشى لسعة الجلاد..وأغتيلت برصاص منفلت من العقال..رصاص عديم الرحم..أطلقه قاتل من حفاة الضمير..
شهيدة فلسطين (عائشة نور أزغي أيغي*) دفعت ثمن رسالة عظيمة وجليلة حملتها بجسارة مذهلة..رسالة رفض الذل والطغيان..طغيان احتلال لئيم منبجس من مغاور التاريخ.. ولذلك،حُقَّ لكل حرّ وعزيز وذي وفاء أن يغضب ويحزن ويثور على زمن تغتال فيه-حمائم السلام-على مرآى ومسمع من العالم..
هكذا كان-موتها-فرجويا متوحّشا بدائيا ساديّا ضاريا عاتيا فاجعا..
هو ذا القتل على مرأى من الدنيا والعرب..
فلسطين..لم تصب بقشعريرة ولا بإندهاش.إنّها ”تبكي” بصمت شهدائها..
جرح مفتوح،وعدالة شائخة،وضمير إنسانيّ كسول وضرير..لا يفعل غير أن يعدّ حصيلة الخراب ويتأفّف من وفرة دماء الموتى!..وأيضا : ينتظر.
أيا عائشة..ضجرت ذاكرة التاريخ.ضجر الشهود.ضجرت الأسلحة والقوانين والمذاهب والسماوات،وضجرت أرواح
الموتى..لكن-وحدها-شهوة القاتل إلى مزيد من الدم..لم تضجر!
الدّم يشحذ شهية الدّم …
أنت الآن في رحاب الله حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين..أما أبناء فلسطين الأشاوس فهم في عراء الخليقة الدّامي،تتقاذفهم الرّياح الكونية من زنزانة..إلى معتقل..إلى هواء يتهدّم..إلى أرض تنتفض..إلى عدالة عمياء..إلى قاض أخرس..إلى ضمير أعزل وكفيف..وإلى أمل يضيق ولا يتهدّم..
وعلى شاشة الملأ الكوني،تترقرق الدّمعة الأكثر إيلاما وسطوعا في تاريخ صناعة العذاب،وتعلو صيحة الضمير الأعزل المعطوب،دون أن تُسمَع..!
ودائما : ثمة شهداء يسقطون..ودائما خلف القاتل،ثمة حلفاء وقضاة وجيوش..وخلف الضحية..العماء والصّمت..وخلف العماء والصّمت..شعب يقيم أعراسه على حواف المقابر: أعراس مجلّلة بالسواد ومبلّلة بالنحيب..أعراس دم.
لكن..ثمة أمل…
ثمة أمل ينبثق من دفقات الدّم ووضوح الموت..أمل يتمطى عبر نباح الرشاشات وعويل المدافع..
وحده الفلسطيني اليوم..-يا عائشة-بإمكانه أن يحمل بين ضلوعه أملا وضّاء ينير عتمات الدروب أمامه..
ووحده بإمكانه أن يقايض سخط الجلاّد الحاقد بكلمة الأمل الغاضب..فقد علّمنا التاريخ-يا عائشةك-أنّه في أحيان كثيرة يمكن للأمل الأعزل أن ينتصر على جنون القوّة المدرّعة..
كما علّمنا كذلك،أنّ السفّاح-بما يريقه من دم-يحدّد الثمن النهائي لدمه.
لهذا سيذهب-الفلسطيني-نيابة عنك-بأحلامه من حافة الموت إلى حافة الحياة حيث سيرى خلف دخان الجنون وجلبة القوّة : علمَ فلسطين وشمسها ونخيلها وبساتينها وسماءها..
وتحت سمائها تلألأ الرنّة السخيّة لفرح الإنسان..
هناك،وعلى التخوم الفاصلة بين البسمة والدّمعة،سيعثر على-فلسطين الصامدة-وقد هيّأت له مقعدا مريحا ونافذة مفتوحة وسماء صافية وظلا ظليلا..ورغيفا لذيذا..وأنشودة نصر يرقص على ايقاعها أبطال ينشدون الحرية بجسارة من لا يهاب الموت..لينزل ضيفا جليلا على مائدتها..مائدة الشهداء..
والشهداء الأحياء: مائدة التاريخ.
ونحن..يا عائشة..!
نحن الذين نخبئ في عيوننا عتمات الأحزان..نحن من المحيط إلى الخليج أمام البحر المتوسط،تنتصب أمامنا حاجبات الوميض،نقرأ أوجاعنا ونردّد كلمات لم نعد نعرف أن نكتبها..!
موتك-يا عائشة-سيظلّ وصمة عار على جباه-لا تعرق خجلا-..لعنة أبدية تلاحق بسخطها حفاة الضمير..
ولكن..
سينتصب الحقّ شامخا،يخرّ الباطل صريعا..وينبلج الصبح على فلسطين.
لست أحلم..لكنه الإيمان الأكثر دقة في لحظات التاريخ السوداء من حسابات الآفاقين..وعراة الضمير..
وداعا..عائشة نور أزغي أيغي..
محمد المحسن
*توالت ردود الفعل العربية والدولية المنددة بمقتل الناشطة الأميركية التركية عائشة نور أزغي أيغي يوم الجمعة الموافق للسابع من الشهر الجاري برصاص جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي بمحافظة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
وقتل الجيش الإسرائيلي بالرصاص الحي الناشطة عائشة نور،
أثناء مشاركتها في فعالية منددة بالاستيطان في بلدة بيتا بمحافظة نابلس شمالي الضفة.
وأعلنت حركة التضامن الدولية أن عائشة نور حضرت مراقبة لمظاهرة نظمت في بلدة بيتا في مدينة نابلس الجمعة،وتم استهدافها عمدا من قبل قناص إسرائيلي كان يقف على سطح مبنى قريب،ما أدى إلى مقتلها.
كما أكدت حركة المقاومة الفلسطينية حماس،الجمعة،أن سياسات واشنطن المنحازة أدت لمقتل مواطنة أميركية برصاص إسرائيلي في بلدة بيتا،بمحافظة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة خلال فعالية منددة بالاستيطان.
هذا،وولدت الناشطة الراحلة البالغة من العمر 26 عاما في ولاية أنطاليا جنوب تركيا،قبل أن تغادر مع ذويها إلى الولايات المتحدة.
وحصلت عائشة نور على شهادة البكالوريوس في علم النفس، ولغات الشرق الأوسط من جامعة واشنطن.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق