أرقامٌ
دَعكَ يا صَاحبي من الأرقامِ
فما هي غيرَ أكاذيبَ
وبِضعةَ أوهامٍ
فلا التَّاريخُ في حكاياتِهِ صادِقٌ
ولا في حساباتِ عُمرِها
صَدَقَت بِنتُ الجِّيرانِ
دَعْ عَنكَ- يا صاحبي- حِساباتِ الأرقامِ
ففي زَمنِ النِّهاياتِ
بِضعةُ أرقامٍ على لوحِ رُخامٍ
لا يُثيرُ اهتمامَ أحدٍ
غيرَ من نَقشَهُ
في يومٍ من الأيامِ
أرقامٌ نحنُ يا سَيِّدي
تَعبثُ فينا رياحُ الأقدارِ
نَجمعُ ما شِئنا من أموالٍ
ونضرِبُ عَرضَ الحائطِ
بِكُلِّ ألوانِ الفضائلِ
من غيرِ حسابٍ
ونَطرَحُ إلى القَاعِ مَن يَتحدَّى
ما لَدينا من أطماعٍ
وبالقِسطاسِ نُقَسِّمُ على أتباعِنا
بعضاً من السَّبايا والأنفالِ
نَنهشُ ما طابَ من فَرائسَ ولا نَشبعُ
كأنَّ بطونَنا أضحَتْ كالغِربالِ
أرقامٌ نحنُ، يا سَيِّدي
مُجرَّدُ أرقامٍ
مِن دونِ مشاعرَ
مِن غيرِ إحساسٍ أو وجدانٍ
بِعنا ضمائِرَنا ذاتَ عُمرٍ
في سُوقِ الخُضارِ
فصِرنا علفاً للماشيةِ وطَعاماً للأغنامِ
تَعلَّمنا منها الخُوَارَ والثُغاءَ
قطيعاً أصبحنا
تارةً بنباحِه يَجمَعُنا كلبُ الرَّاعي
وتارةً نَهتِفُ بحياةِ السُّلطانِ
أرقاماً كُنَّا يا سَيدي
أرقامٌ نحنُ الآنَ
صِفرٌ في النَّاتِجِ
حين تَذوي كُلُّ الأرقامِ
جُمجُمةٌ مُضحِكةٌ وبِضعةُ عِظامٍ
وفوق تِلالِ الرَّمسِ
تنمو بِضعةُ أعشابٍ
وكومةٌ من أرقامٍ
ولُعبتُنا تَنتَهي حين يَنفَدُ مِنَّا
رصيدُ الأرقامِ
رُويداً رُويداً
ينمو الصَّمتُ فوق القبورِ المَنسيَّةِ
ما أخطأنا... ما أجرَمنا
لكنْ بِعنا ضمائرَنا يوماً
في سُوقِ الخُضارِ
تَعلَّمنا فَنَّ الثُغاءِ
وبَرَعنا في أنْ نكونَ قَطيعاً
تارةً يَجمَعُنا كلبُ الرَّاعي
وتارةً نَهتِف بِملءِ نِفاقِنا
كي يُديمَ اللهُ فوقَ رقابِنا
عَصا السُّلطانِ...
بقلم جورج عازار...
ستوكهولم،السويد

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق