آخر المنشورات

السبت، 21 سبتمبر 2024

الخريف المدرسي بقلم الكاتب: دخان لحسن. الجزائر

 .          الخريف المدرسي


    قال الإمام الشافعي رحمه الله: 

من لم يذق مُرَّ التعلم ساعةً

         تجرَّع ذُلَّ الجهل طول حياته


  غدا يحلُّ علينا الخريف المدرسي بعدما حلّ الخريف الطبيعي بأمطاره، وتباشير البسمة على وجوه البراءة بأوراقهم وأقلامهم يخترقون هدوء المدينة وخلوها من مرتاديها إلا منهم بشوقهم اللّاهب يضاهي حرارة الصيف وشوق الشواطئ .

  العودة الى المدرسة، ذاك البريق اللامع وتلك السُنن الحميدة، درَجَ عليها الجميع، وسلك دروبها الجميع. 

  مع نسمات الصباح تنبعث نسمات أخرى تبعث في الصدور انتعاشا بليغا وحيوية نادرةَ التكرارِ من غليان الحركات والأصوات وسردٍ للذكريات والتوقعات، والأحلام والتأملات، وتسلسلِ الافكار في رواية أحداث العطلة الصيفية ... 

  ينتشر التلاميذ في الساحات والطرق والأزقة كأوراق الخريف الملونة تتفرّش بهم الأرض يَظهرون كزنابق الأزهار البيضاء، أو مثل سجّاد اصفهان المزركش بشتى الألوان القرمزية، إنها البراعم البشرية ودّعَت مظاهر الصيف والخريف، وكتبت خطاباتها للسعادة المدرسية، تكاد تكون أبدية مع الكتب والكراريس والاقلام في معارك لا تنتهي إلّا بشهادات النجاح والتفوُّق.

 هنا تراودني المناسبةُ وتوقظ بداخلي ذاك الشعور بسنوات قضيناها في المدرسة، وكيف نكتسح الساحةَ كأزهارِ الحقل، وكم يسعدنا الأمر عندما نرى منارة العلم تفتح أبوابها الموصدة أمامنا طيلة العطلة  " لقد أخذتني الذكرى إلى ربوعها، أين قضيت طفولتي في ريف بسيط، لا طرقات معبدة، ولا أرصفة، ولا ممرات راجلين، ولا أضواء ساطعة. أقطع المسافات البعيدة لطلب العلم، وكلي أمل في النجاح رفقة القلم. "  مقتبسة.

 ومع العودة تغمرني غبطة، وتسكن قلبي قناعة بأن كتاب حساب الطالب هو الدرس والتطبيق الذي فتح مسالك التعلّم أمامنا، فمن يتحكّم فيه يُصبح من يومه معلما لزملائه، بالاضافة الى النحو الواضح والإملاء، وجدول الضرب الذي يطالبنا المعلم باستظهاره يوميا في بداية الحصة. ومطالعة  الأيام لطه حسين وماجدلين للمنفلوطي والعقّاد ومقالات ابن باديس والبشير الابراهيمي وغيرهم من الكتّاب والأدباء والمصلحين.

 كل هذا ونحن بالقرب من ذلك المعلم، الرجل النّادر في شخصه وسلوكه، نلجأ إليه في كلّ صغيرة وكبيرة، في كل معلومة ومجهولة فيزيدنا من علمه، ويوجهنا ويرشدنا، ونحن كلنا آذان صاغية، وآمال معقودة على ما رسم لنا من خطط للتحصيل العلمي وكيف نتصرف في شتّى مناحي الحياة، فما علينا إلّا العمل والوفاء لمبادئها، وعلى رأسها الآية الكريمة:

 ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) )

 والاية الكريمة: ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) )،   

  وبتلك المبادئ عزّزنا هويَتنا وشربنا من منبع الوطنية وبنينا شخصيتنا.

  لقد كانت ذكريات جميلة مازالت خالدة في قلوبنا ومنها مشهد أبي وهو يقف أمام طاولتي ويعطي المعلمة ورقة خمسة دنانير ويقول لها: علّميه وأضربيه حتى يصير معلمًا وبالفعل صرت معلما، قبَضتِ المعلمةُ الورقةَ النقدية تحت الإلحاحِ ولمّا خرج أبي أعادتها لي قائلة: خذها واعطيها لأمك، فرحم الله أبي وأطال الله عمر معلمتي وشفاها لقد سمعت بأنها مريضة، كان هذا سنة 1974، 

  آه، كم هي جميلة تلك الأيام وتلك الذكريات المنقوشة في الذاكرة، لا يطالها النسيان ولا تنحتها رياح الزمن، تبقى منبعَ الفخر والاعتزاز، ويبقي الحنينُ إليها حيًا لا يموت. فأهلا وسهلا بجميع التلاميذ في مدارسهم بين معلميهم وكتبهم، وليَغتنموا فرصة التعلّم والعلم فإن ضاعتِ الفرصة لن تعودَ ويومها لا ينفع الندم. 

بقلمي: دخان لحسن. الجزائر 

21. 09. 2024



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق