الأسطورة و المعتقد في رواية " البحث عن الأمل الأسمى" للكاتبة هالة تكالي جنيح.
في قراءة للشاعرة لطيفة الشامخي
قال الأديب علاء الدين محمود:
" نجد أن الرواية العربية في العصر الحالي تتجه....نحو استلهام الأساطير في معالجة قضايا الإنسان العربي في زمن التشظي و الإغتراب، و سيادة العزلة و الوحدة و الحياة الفردية ".
و انطلاقا من هذا القول نجد أن في السرد الروائي غالبا ما تكون الأسطورة المادة المادة الأولية في الفعل التخييلي و هنا تكمن أهميتها في تحقيق المتعة في بناء الحدث حيث يعتمد الكاتب على أساليب سردية و أشكال تعبيرية لتجديد السرد الحكائي في روايته.
و في الأسطورة نجد دائما عنصر الحقيقة الذي تتمركز حوله الأسطورة، و غالبا ما تدور الأسطورة حول الإله و المعتقد و العلاقة بالكائنات و الظواهر الطبيعية التي لا يجد لها الإنسان تفسيرا فيلجأ إلى الأسطورة لخلق توازن بينه و بين المعتقد و الواقع المعيشي.
كما تصاغ الأسطورة ربما لترضي فضول البحث عن الإنسان و الوجود و عوالم ما وراء الطبيعة، و المعتقد في الأسطورة هو ما يخلق اللحمة و الترابط بين أفراد المجتمع و يعزز الإنتماء لنمط ثقافي اجتماعي.
و من هنا مثلت الأسطورة المادة الخصبة للكتّاب و خوض المغامرة للتحرر من الأنماط التقليدية للرواية.
و نجد في رواية " البحث عن الأمل الأسمى" للكاتبة جنيح تكالي هذا النمط من الرواية، فأي منهج انتهجته الكاتبة و إلى أيّ عوالم ستقودنا؟ و أي نوع من الشخصيات اختارت لترتكز عليها الأحداث؟.
بطلة الرواية ليست من كوكب الأرض و لا هي من فصيلة البشر، هي "هوب" ملاك من الجنة، فتاة طلعة كثيرة التأمّل و السؤال، تراقب الكواكب و النجوم، و تنشد أن تعيش تجربة بنات الأرض و أن تختبر خلجات الفؤاد، لكنها تقع فريسة للخديعة و تقع في المحظور، فالحبيب "إبنوبيس" لم يكن إلا الساحر الأكبر لفرعون فيسرق منها هباتها الروحانية، جدائلها الذهبية و جناحيها الملائكية لتنجو فقط بقلبها الذي كان مبتغاه الأكبر. و تجد "هوب" نفسها ضعيفة منكسرة واهنة القوى تحت تأثير تنويمه المغناطيسي، تهيم في بلاد الهند بلد الأساطير و الديانات المتعددة، و هناك في نهر الجانج تلتقي بالمخلوق الأسطوري العجيب، مخلوق بثماني أيادي و ثلاث عيون، عيون ترى الماضي و الحاضر و المستقبل، إنه آلهة نهر الجانج، و حكايته ملاك مطرود من الجنة، ليقص عليها أسطورة النهر العجيبة و دور طين النهر في تنقية الروح و كيف يعيد لكل من يغطس فيه توازنه النفسي و الجسدي، و قبل المغادرة يهديها ثلاثة أشياء زهرة التوليب الأرجوانية و و مخطوطة و شمعدان، تلك الأشياء سوف تساعدها خلال رحلتها بما فيها من طاقة خارقة لتحقق "هوب" بغيتها و تسترد ما سُرق منها، و في هذا اللقاء الأول تتعلّم البطلة درسها الأول وهو تخطّي مرحلة اللامبالاة و أن تنظر داخل ذاتها و تعوّل على نفسها، تغادر بعدها في اتجاه المعبد الذهبي بأمريتسار، و في طريقها تلتقي بقرة و حكايتها العجيبة، فتذكر لها أنها كانت فتاة أنانية و متهورة و قد دهست بسيارتها بقرة و قتلتها و هذا يحيلنا إلى قداسة البقرة عند مجموعة من سكان الهند، و تذكر لها البقرة كيف أنه أصابها المرض الخبيث و ماتت لتتحوّل روحها في جسم بقرة/ نظرية تناسخ الأرواح/ و قبل أن ترحل "هوب" تعطيها البقرة جرسا ذا قداسة لتعطيه لرجل من السيخ "قورمت" كما تعلّمت من البقرة قيم التعاون و الوفاء هي التي كانت غافلة على هذه الأشياء، في لقائها بالسيخ يطول الحوار عن الديانة و ركائزها و تجد البطلة في السيخية بعض المبادئ من دينها الإسلام، الإيمان بوجود إله واحد و قيم التسامح و حب الخير و التآخي و خرجت من هذا اللقاء بدرس جديد لتتخلى عن الأنانية التي تركبها و الجبن.
و تواصل البطلة رحلتها مع الأساطير و الحكايات القديمة و من وراء كل لقاء درسا تحفظه، و في نهر الهند تلتقي بالطاووس و أسطورة الأميرة المتعالية "صوفيا" التي حوّلتها الساحرة إلى طاووس ليلة زفافها، و درس آخر تتعلمه البطلة و أن الغرور و التعالي يقودان إلى الهلاك، و تأخذ هديتها من الأميرة المفتاح الذي يفتح لها القفل لتنجو بهالاتها. و ما أكثر الأساطير التي تمر بها "هوب" و ما أكثر المعتقدات ففي تلك البلاد كل شيء من الخوارق و لكل شيء سحره.
و يأخذها التيار لحدّ الغرق و يظهر الكائن الأسطوري تنين الماء، فالمخطوطة بيد البطلة تصنع المعجزات، و يطير بها لتجد نفسها في اليونان في أثينا أمام معبد الإله زيوس، و المشوق في هذا الفصل الخامس من الرواية الحوار حول الفلسفة و العلم و الفنون و الشعر مع شيخ تلتقيه يعيش على هامش الزمن لكنه موسوعة لعلوم اليونان القديم و هذا الشيخ زوّدها بالحكمة.
و البحر الكبير كان وجهتها التالية، على ظهر تنين الماء، حيث تلتقي بعروس البحر الجميلة "كلارتي" فتهديها ضفيرة من شعرها لتنير الظلمة من حولها و تساعدها في مواجهة الساحر منها الثقة بالنفس و لن تكون بعدها فريسة للخوف و الكوابس. ترحل "هوب" برفقة صديقتها الملاك "دريم" التي كانت سببا في فجيعتها بأن دفعت بها في طريق الساحر "إبنوبيس" وهي اليوم ملاكها الحارس، و في مصر بلد الفراعنة و الأهرامات تلتقي بثلاث مخلوقات جاؤوا من الزمن البعيد لكن هذه المرة مخلوقات بشرية، عكس كل الذين التقتهم سابقا إذ كانوا مخلوقات أسطورية ناطقة فحتى شجرة الحور كانت ناطقة. و أمام "بسيشي" و "إيروس" و "ميراج" وقفت كتلميذة تتلقى آخر درس لها قبل دخول الإمتحان لتتخلص من تأثير "إبنوبيس" الساحر و تستعيد مآثرها، و تعود في النهاية إلى جنتها تاركة وراءها كل أساطير الأرض و معتقدات الشعوب و كل المآسي البشرية.
رواية "البحث عن الأمل الأسمى" للكاتبة هالة جنيح تكالي هي رحلة عبر الأزمنة و الأمكنة تحتوي على فلسفة البحث عما وراء الطبيعة و عما وراء كل كائن حي.
وهي رواية تعج بالأساطير القديمة و معتقدات بعض الشعوب الماضية، حتى أن كل الكائنات التي عرضتها الكاتبة في طريق البطلة كائنات أسطورية تبدو مزودة بالمنطق و الحكمة
و كل الهدايا التي تلقتها البطلة منهم أشياء لها مفعول روحاني و طاقة خارقة لتذليل العقبات و الحصول على المبتغى حسب المعتقد لديهم.
و لم تستعمل الكاتبة الأسطورة بنية إعادة النظر فيها بالبحث و التحليل بل كانت وسيلة لتوضيح عمق المبنى الفكري و العقائدي في زمن ما من التاريخ البشري و الكشف عن نمط الحياة الاجتماعية و الحضارية و دور الأسطورة في تشكيل مستوى الوعي لمجموعة من سكان الأرض في زمن ما، كما تم توظيف الأسطورة كوسيلة لتحفيز البطلة إلى القيم الإنسانية و طرح دروس و عبر.
و في نهاية الرحلة تدرك البطلة "هوب" أن ما نبحث عنه هو بداخلنا رهن إحساسنا و إدراكنا، نحن فقط لا نعرف كيف نبحث و من أين نبدأ البحث.
و تبقى هناك جوانب عديدة في الرواية يمكن تسليط الضوء عليها و تناولها بالبحث ممن يهتم لهذا المنحز للكاتبة هالة جنيح تكالي.
بقلم:لطيفة الشامخي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق