حتى صبايا الطب يعنفون
قصة قصيرة لكاتبها عبدالإله ماهل من المغرب
استفاق من غيبوبته، فتح عينيه، تململ قليلا من على سريره، وبالكاد تحسس مواقع بجسده، وأمام ذهول الجميع أزاح عنه الأغطية، ورفع رجليه إلى الأعلى، وقهقه ضاحكا :" وكأن شيئا لم يقع..."؛ فكانت الفرحة فرحة لا تطاق.
التفت إلى من حواليه، يسأل عن تلكم الأيادي الأمينة التي حالت دون بتر رجليه.
ومن غير ذي تردد، انبرت زوجته أمامه، تشير بالبنان على طبيب بالجوار، يتلكأ في مشيته، محاط بهالة من طلابه، بين ذهاب وإياب يتفحص بيانات مرضاه.
لم تصدق عيناه ما تراه؛ إذ سرعان ما استحضر من غياهب الماضي البعيد حادثة غريبة يندى لها الجبين، لا زالت عالقة في مخيلته ما علق الوشم بباطن الكفين بالرغم من قدم الحدث وتوالي السنون، ذهب ضحيتها صبية - طلاب طب – لا لشيء إلا فضا لاعتصام وكفى.
خفض من بصره أرضا، وتمنى ساعتها لو انشقت الأرض وابتلعته عن آخره، لكان أهون عليه من تذكر ما اقترفه آنذاك من عنف مفرط وبدم بارد، نال عليه شرف صفة جلاد بامتياز.
حز في نفسه أن يرى لمثل هذا الطبيب ومن غير ذي انتقام، فضلا على تعافي رجليه.
انتابه الشعور بالذنب، واستسلم لشرود قاتل لم يستطع معه الموازنة بين ضحية وجلاد، بين طبيب ذي فضل وجلاد ذي جرم.
إلا أنه وبمجرد ما رفع عينيه؛ إلا وتصادف ونظرة من ذلك الطبيب -الصبي- كادت أن تجمد الدم في عروقه.
... وكأن الرسالة وصلت، ليرتد عن آخره، ومن حيث لا ينفع الندم بدأت رحلته مع تأنيب الضمير كسوط عذاب، يعيش ما حيا معيشة ضنكا، ويموت في اليوم ألف مرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق