مقال رقم ٤
حول:
دور الصورة الشعرية ،في النص الحداثي.
يكتبها الشاعر الناقد /سامي ناصف.
..........
.من المعلوم أن التصوير الفني عنصر أساسي وأصيل من عناصر القصيدة العربية، وخاصة الشعر الحر.
بل هي الحدّ الفاصل بينه وبين العلم.
.قال أرسطو:إن أعظم شيءأن تكون سيد الاستعارات،فالاستعارة علامة العبقرية .
.ويقول المنفلوطي:إن التصوير نفسه أجمل المعاني وأبدعها،وإذا استاحل وجود الصورة الشعرية؛ أدى ذلك إلى غموض في فهم النص بشرط أن يعبر ذلك عن تمازج الرؤى، والأفكار،وأن الخيال هو الروح، وأن القدرة الفنية تستجيب لها إمكانات اللغة في تناغم موسيقي، وتصويري.
.وقد يكون الغموض الذي يلف النص الحداثي، ويخفي جوهره وعلاقاته بأشقائه في دنيا الأدب،وزاد الفجوة التي تفصل بين كثيرين؛ نتجت عن أمور منها :
أ-الغموض الدلالي.
ب-استحالة الصورةالفنية.
ج- غموض الرمز .
.ومن المعلوم أن كثيرًا من الشعراء اعتمدوا في تركيبة الصورة من خلال الشعر الحر على عدة عناصرمنها :
الكناية،التشبيه،الاستعارة،المجاز،الرمز .
.وقد كانت الصورة الشعرية في الشعر الحر مجالا لتأدية المعنى،وليست عنصرًا من عناصر الزخرف، أو التزيين فحسب.
.وإن من يقرأ الشعر الحديث،يجد أن الصورة الفنية فيه: إما جزئية معتمدة على المفهوم التقليدي للصورة الشعرية القديمة.
وإما صورة كليةيرسم الشاعر من خلالها صورة مركبة تتضافر فيها كل العناصر الجزئية؛لترسم لنا صورة كلية ذات مشهد كامل الأركان.
.ونرى أن لغة الشعر تعتمد على الإشارة، في حين أن لغة النثر هي لغة الإيضاح.
.ولابد للكلمة في الشعر أن تعلو على ذاتها،وأن تزخر بأكثر مما تعنيه عبر إدارك الشاعر لقدرات المجاز ،في منح اللغة مساحة أوسع من دلالتها المعجمية، ويزيدها قوة.
.فالشاعر يستنفذ في المفردات كل طاقاته التصويرية، والإيحائية، والموسيقية.
.وتتجدد دائما دعوة الرمزيين،أن تُستعمل الكلمات بمعانٍ جديدة بعد أن تآكلت واستهلكت من فرط الاستعمال.
.وَسَعَوا لإيجاد حل لمشكلاتهم فاهتم " بودلير " بجمالية القبح.
وشُغِلَ "رامبو" بِلون الكلمة وإيقاعاتها الداخلية، وروائح الشعور المنبعث من الألفاظ .
.وأجهد نفسه "ما لارميه "بأن يُحمِّل اللغة ما لم تستطع القيام به من قبل.
واجتهد في أن يدعي لغة ينبثق منها شعر جديد، شعر لا يدور على وصف الشيء، بل على تأثيره، وهذا ما أوصله إلى نظرته الشهيرة، في طبيعة الشعر التي انبعثت منها دراسات حداثية وهي: أن الشعر كلمات
شاعرة.
وإليكم هذه اللفتة !
يروي لنا الرسام "دانيال لوير " موقفا دار بينه وبين الشاعر "مالارميه " أنه ضاع منه النهار وما استطاع أن يكتب قصيدة،رغم أن عقله مزحوم بالأفكار، وأنه مفعم بها ؛ فردّ عليه "مالارميه" ليست الأفكار تصنع قصائدا يا"ديغا"وإنما الكلمات، فيُبْنى النصُ الشعري على نحو دلالي جديد من خلال استعمال اللغة الانزياحية.
.ومن المعلوم أن الانزياح اللغوي هو خرق المألوف، والخروج على قواعد اللغة،أو هو احتيال من المبدع على اللغة النثرية لتكون غير عادي ،عن عالم عادي .
.ومن هنا أقرّ "چاك كوهين"أن الانزياح شرط أساسي في النص الشعري،على أن الانزياح ليس هدفا في ذاته وضروري في النص الشعري،وإلا تحول النص إلى عبث لغوي، وفوضى في الرسالة الشعرية ذاتها، وإنما هي وسيلة الشاعر إلى خلق لغة شعرية داخل لغة النثر.
وقديما قال الشاعر العباسي الفحل البحتري
(والشعر لمح تكفي إشارته... وليس بالهذر طُوِّلت خطبة)
كتبها لكم الشاعر الناقد /سامي ناصف

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق