آخر المنشورات

الأربعاء، 23 أكتوبر 2024

قصة قصيرة على السّجّاد الأحمر. بقلم الكاتب الطيب جامعي/ تونس

 قصة قصيرة


                               على السّجّاد الأحمر.

و هو مستندٌ إلى ظهر الأريكة اتّّكأ على كوعه. لم يعر اهتماما لمعصمه المبتور. أرسل ابتسامة عريضة مشفوعة بنفس عميق  خرج من إخمص قفصه الصّدريّ... 

سحبها من جيب مثبت في جانبه. وضعها على منضدة صغيرة بجانبه. قبّلها مرّات حامدا الله. تحسّس حزامه. مازالت الكثير من الخراطيش في أماكنها.

 المكان يتنفّس أبخرة و دخانا. الغبار في كل مكان. المرء يمدّ يده فتكاد تنقطع. أزيز، كفحيح الأفاعي يعرفه جيّدا، يجوب العمارة غرفة غرفة... هذا الشّبح اللّعين، هذه الآلة الصّمّاء لا تعرف للشجاعة معنى. التفت إليها ساخرا. ألقى عليها عصاه. ثرثر  بكبرياء و استهزاء: جبناء، تطمرون رؤوسكم وراء كتل حديديّة مصفّحة. أشجعكم يجبُن على أن يطلّ مجرّد إطلالة من فوهات سجونكم الخرساء. مطمئنون لتحصيناتكم؟!... هيهات هيهات، سنخرج لكم من رحم الأرض، من تحت الرّكام، من فوق السطوح، من بين شقوق الجدران، من بين أحضان الزّيتون، بل سنخرج لكم من تحت مصفّحاتكم، و لتذهب كلّ تحصيناتكم إلى الجحيم. 

أرهف السّمع، أذناه، رغم اللّثام الذي يغطّي رأسه فلا تُرَى إلّا عينان تقدحان جَلَدا و قوّة و تحدّيا، لا يمكن أن تخطئا مَن وراء ذلك الصّوت و تلك الخطوات المتعثّرة. إنّهم هم: تلك الكلاب البشريّة... أخذ نفسا... لا، بل من الظّلم بمكان أن توصف بالكلاب ناهيك، عن البشريّة. لا شيء يشبههم.

التفت. أرسلت عيناه شواظا. خُيّل إليّ أنّني سمعت صدى سقوط أحدهم رعبا، و لا إخاله إلّا كذلك. و ما لبث أن خفت ذلك الصّوت. أين تشتّتوا يا ترى؟ ثمّ ما لبث أن عاد بنظره إليها. و بأحد أصابعه فكّ صمّام الأمان. الآن كلّ شيء جاهز. تناولها بين أصابعه. استدار من جديد. كبّر، قرأ: " و ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى". تولّد في نفسه قوّة عجيبة و تصميم و تحدٍّ سبقت حركة يده... عضلات يده اليسرى تنقبض، ثمّ تهمّ بالامتداد...  ارتجاج كبير يهزّ العمارة كلّها و تلك الغرفة؛ الفوضى تعمّ الفضاء...

ولكنّ الأدخنة و الغبار و  الجدران كلّها تتلاشى. لا شيء، لا شيء... أفق واسع رحب و شذا عطرٍ يفعم المدى. هناك استوى واقفا، لم يكن ملثّما هذه المرّة، و لم تكن به خدوش. يداه سليمتان تماما... سار بكلّ افتخار على السّجّاد الأحمر. الوجوه المتراصّة في صفّين على اليمين و على الشّمال يُلقون عليه التّحيّة. هو  يعرفهم جيّدا. لطالما كان جنبا إلى جنب معهم. حين فتّش عن وجوه أخرى كانت تقتحم شاشات التّلفاز ليلَ نهارَ لم يجد منهم واحدا...

  سار قرير النفس بخطى ثابتة يستلم أعظم جائزة. 

                الطيب جامعي/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق