آخر المنشورات

الاثنين، 10 مارس 2025

مقالات في رمضان الخُلق الحسن في الاسلام بقلم الأديب عبد الكريم احمد الزيدي

 مقالات في رمضان


 الخُلق الحسن في الاسلام :

.................................

من عجائب كتاب الله الكريم ، انه جاء بالحق مصدقا لما بين يديه ومؤيدا رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم بحقائق ونبؤات الانبياء والرسل كافة وما اختص بقصص رسل اهل الكتاب عليهم السلام وحوادثهم مع قومهم والاذى والعذاب الذي اصابهم في دعوتهم لرسالات الله سبحانه وتعالى .


وعلى هذا نجد من بين الرسل والانبياء صفات واخلاق ذكرها الله سبحانه وتعالى بعينها فأملت على قلوب وعقول الناس من قومهم سرا روحانيا يتقرب بِهِ الرسول او النبي من ارواح المبعوث فيهم ويستميل قلوبهم الى دعواه ، وعادة ما تكون هذه الصفة او الخلق غالبة ومميزة وظاهرة بل ومؤثرة في الذات البشرية لتبعث الاطمئنان والسكينة والقبول فيتقرب الناس بها الى رسولهم ونبيهم بالتصديق والهداية والايمان .


ولعلنا ونحن نقرأ كتاب الله نستدرك تماما حكمة الله في اصطفائه  لانبيائه ورسله من بين الناس لعلمٍ هو اعلم بِهِ ، ولا نكاد ننتهي من قصة رسول او نبي حتى ندرك صفة او خلقا مميزا اتصف بِهِ هذا الرسول او النبي عن سواه بين قومه والنَّاس ، فكان بهذا الخلق والصفة يستقطب اليه قلوب الناس المبعوث فيهم لتصديق رسالته ودعوته الى الله سبحانه وتعالى ، والتي ربما لم تكتمل في خلقهم ومكارم صفاتهم (عليهم السلام ) كما اكتملت في هذا الرسول الكريم المبعوث خاتما للرسل والانبياء ورحمة للعالمين ، كل الاخلاق والمكارم والصفات حتى كان خلقه القرآن ، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف " أدبني ربي فأحسن تأديبي " .


والانبياء والرسل ، هم بلا جدل خيرة الله في خلقه وصفوته من عباده والذي جعل فيهم العصمة من الذنوب والاثام والبراءة من كل ما يخالف الفطرة السليمة التي فطر الله بها الناس ، حتى صبغهم بصبغة دينية جعلتهم النموذج المحتذى والمثل الاعلى ، ولو تتبعنا في سور القران الكريم فاننا سنجد توصيفا جامعا لاخلاقهم وصفاتهم الحميدة التي وردت بعينها في سورة الانبياء في قوله تعالى

 " انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لَنا خاشعين " .

وهنا اشارة واضحة وبينة الى ثلاث صفات فيهم ، الاولى وهي المسارعة والادامة في فعل الطاعات والتي جاءت بصيغة المضارع لتفيد الاستمرارية والديمومة ، والثانية التوسل الى الله والدعاء في حالتي الرغبة والرهبة وخير الدعاء ما جمع بينهما كما كان فعل رسولنا الكريم صَل الله عليه وسلم وكثرة دعائه من قول الله تعالى :

 " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفِي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار " .والثالثة التواضع الى الله ولين الجانب فلا يرون لهم فضلا على غيرهم من العباد .


وبالعودة الى عنوان مقالنا ، فأن حسن الخلق من كمال الايمان ، كما في قول الرسول عليه الصلاة والسلام " اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا " الذي كان احسن الناس اخلاقا فقد كان قرآنا يمشي على الارض ، وحسن الخلق كلمتين وفي اللغة الحسن هو الشيء الذي يسر ويبهج وما تتطلع اليه النفس ، والخلق ما يصدر عن النفس من الاخلاق والسجايا فيكون المعنى حسن وخلق ، والصدق في النفس والحديث هو اول معاني الخلق الحسن وعلاماته .


ولقد جاء في الحديث الشريف " انما بعثت لأتمم صالح وفي رواية مكارم الاخلاق " وقال عليه الصلاة والسلام لما امر معاذ بن جبل ( رضي الله عنه) بالتحلي بالخلق الحسن " خالق الناس بخلق حسن " وقال ايضا عليه الصلاة والسلام " يا ابا هريرة ! عليك بحسن الخلق ، فقال ابو هريرة ، وما حسن الخلق يا رسول الله ؟ قال: تصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك " .


وحديثي انما جاء على عامة لسان اهل العلم والتفسير ، ولكن ما اريد ان اختصه في هذا المقال ذلك الوصف الكامل الجامع لصفات ومعاني الخلق التي وردت في آية بينة من كتاب الله تعالى وهو يصف رسولنا الكريم صَل الله عليه وسلم باجمل واروع وابدع ما قيل في رسول او نبي وكأنه اراد لَنا ان نفاخر اهل الارض والسماء بما جمع لهذا الموصوف من عباده من سمة ووصف ودلالة فقال تعالى : " وأنك لعلى خلق عظيم " تزكية من عند الله الذي شهادته اكبر شهادة وقوله اصدق القول ، كما في قوله " قل أي شيء اكبر شهادة ، قل الله " وقال تعالى " ومن اصدق من الله قيلا "  .


لقد اثنى الله سبحانه وتعالى على رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم ، بالخلق العظيم وجاءت الاية 4 الكريمة في سورة القلم ب ( إن واللام ) اللتين تفيدان التوكيد كما جاءت بحرف الجر ( على) الذي يدل على الاستعلاء والتمكن ، مع ان الله تعالى جاء بصفة المدح هذه بلفظ التنكير فقال " خُلقٍ " ولم ترد بأل التعريف ( الخُلق ) لان التنكير هنا يفيد التعظيم ، ليس هذا فحسب فالمتدبر في هذه الاية الكريمة يجد ان الله سبحانه وتعالى لم يكتف بهذا التكريم والثناء على رسوله ، وانما نعت هذا الخلق الحسن بالعظمة الكبيرة الدالة على قوة تمكنه صل الله عليه وسلم من الاخلاق الحسنة فجاءت بصيغة ( فعيل ) وهي من صيغ المبالغة .


فأي رسول وأي نبي ؟  اثنى عليه الله سبحانه وتعالى وهو الخالق البارئ لعباده ، بمثل ما اثنى بها على رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم  فجمع كل الخلق الحسن فيه ورفعها بصيغة العظمة والاجلال ، ولعل الله سبحانه وتعالى خص نبيه الكريم في مواضع أخرى بكتابه العزيز بعض انواع هذا الخلق ، مرة بالرأفة والرحمة بالامة والحرص ان لا يصيبها عنت ولا مشقة فقال تعالى " لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " واخرى بالرفق واللين وأمره بالتشاور مع المؤمنين والاستغفار لهم والعفو عنهم والتوكل عليه تعالى ، فقال " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك فاعفو عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين " .


اتمنى ان اكون قد اوفيت ذكر جزءا من عظيم خلق 

الرسول الكريم صل الله عليه وسلم ومكانته وامامته بين الرسل والانبياء ، والحمد لله اذ مكننا ان نأتي بهذا المقال ليكون بابا لكل القراء والمتابعين ليتزودوا من خلق رسولهم الكريم ويذكروا فضله علينا .


.......................................................................


عبد الكريم احمد الزيدي

العراق / بَغداد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق