(نفحات روحانية..في شهر التقوى والخشوع)
تجليات صور التراحم والتكاتف والعطاء..في الشهر الفضيل
تصدير : شهر رمضان،شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن،شهر العتق والغفران،شهر الصدقات والإحسان،شهر تفتح فيه أبواب الجنات،وتضاعف فيه الحسنات،وتقال فيه العثرات،شهر تجاب فيه الدعوات،وترفع فيه الدرجات،وتغفر فيه السيئات..
-قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (البقرة:185)
مما لا شك فيه أن شهر رمضان،هو شهر الطاعات والتقرب إلى الله،لا يقتصر على زيادة العبادات فحسب،بل يعد أيضا شهرا للرحمة والتكافل والتكاتف الإنساني،حيث يبرز المسلمون أسمى صور التعاون والعطاء،ويتسابقون لفعل الخيرات في كل مكان.
وكما أن التنوع في الاحتفاء بمقدم شهر الصيام هي السمة الغالبة للمسلمين،فإنهم أيضا يتنافسون خلال أيام الشهر الفضيل-كما أشرنا-في القيام بالعديد من أعمال البر والخير والصلاح،التي ترافق صيامهم المبرور،كل بحسب ما تيسر له،من تلاوة للقرآن،وإفطار الصائمين،وأداء الصدقات،والإنفاق على الأيتام والمعسرين وخدمة الضعفاء وزيارة المرضى،وغيرها من أعمال الإحسان التي تتعدد أبوابها ومجالاتها.
هذه الجهود تقدم بإخلاص وتفان،بعيدا عن أي غرض دنيوي،سعيا وراء الأجر والثواب في موسم هو خير المواسم،وأيام هي خير الأيام عند الله تعالى،والتي تتجسد فيها قيم التضامن الإنساني، ويظهر الخيرون أفضل ما لديهم من جهد ومثابرة،مما يجعل هذا الشهر منارة للخير والعطاء في كل عام.
من هنا،يعيش المسلمون في هذه الأيام في ظلال أيام مباركة من شهر رمضان الذي يحمل معه الخير والبركة،هذا الشهر الذي جعله الله سيد الشهور،وأفاض فيه الخير والنور،إنه شهر رمضان المبارك شهر البرّ والإحسان،والمغفرة والرضوان،والسخاء والعطاء،شهر التكافل والمحبة،والإنفاق في سبيل الله (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) "سورة البقرة: الآية 261"
ويُعتبر التكافل الاجتماعي،سيما في هذا الشهر الفضيل أحد القيم الأساسية التي تعزز التماسك المجتمعي وتحقق العدالة الاجتماعية.وفي بلادنا ( تونس)، يكتسب هذا المفهوم أهمية خاصة،كونه فرصة لتعزيز الممارسات الخيرية والتكافلية التي تسهم في تحسين حياة الفئات المحتاجة و تقوية العلاقات المجتمعية وتقليل الفجوات بين الطبقات الاجتماعية.خاصة مع تزايد التحديات الاقتصادية والمعيشية،التي تتطلب توحيد الجهود لدعم الأسر المتعففة،الأيتام،كبار السن،والمرضى.
ولا عجب إذا قلت أن في هذه الأيام المباركة،يسعى المسلمون إلى الارتقاء بروحهم وتعزيز صلتهم بالله،مستلهمين من نفحات رمضان الإيمانية ما يجدد علاقتهم بربهم،ويغرس في قلوبهم معاني التقوى والخشوع.
ومن أسمى القيم التي يتجلى بها شهر رمضان روح التطوع لمساعدة الآخرين،فهي عبادة عظيمة لا يدرك فضلها الكثيرون. فالتبرع بالوقت والجهد لخدمة المحتاجين يُعد شكلاً من الصدقة المضاعفة في هذا الشهر الفضيل،حيث يجسد جوهر الإيثار والتكافل.وعلى الرغم من مشقة الصيام وانشغالات الحياة، يحرص المؤمن على مد يد العون،سواء من خلال جمع التبرعات وتوزيعها،أو تأمين وجبات الإفطار والسحور للأسر المحتاجة،في صورة تعكس قيم الرحمة والبذل التي تميز هذا الشهر المبارك.
ومن الأعمال أيضا التي يحرص عليها المسلمون في رمضان صلة الأرحام وزيارة الأهل والأصدقاء،امتثالًا لقيم الإسلام التي تؤكد على تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز التآخي بين أفراد المجتمع. فقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: "من سره أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه"،حيث يمثّل الشهر الفضيل فرصة ذهبية لتوطيد العلاقات الأسرية،وإدخال السرور على القلوب،إذ أن الأقربين أولى بالمعروف،كما أرشدنا ديننا الحنيف.
وعطفا على ماذكرناه،نقول :شهر رمضان من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهو شهر الصيام والقيام، شهر العتق والغفران، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات.. شهر أنزل فيه أنزل القرآن الكريم، فيه ليلة (ليلة القدر) خير من ألف شهر.
ختاما،أدعوك-ياعزيزي القارىء- إلى أن تستثمر هذا الشهر الفضيل في الاقتراب أكثر من الله،طاعةً ومحبةً له،والتمسك بالقيم والمبادئ والأخلاق التي حثّ عليها ديننا الحنيف،ليس في رمضان فحسب، بل على مدار العام، ليكون نهجك في الحياة نهجًا ثابتًا،وهو ما تتمحور حوله روح الإسلام.
وآمل أن نجد جميعا في هذا الشهر الكريم معنى العطاء والوفاء وأن ننال في أوله الرحمة وفي أوسطه المغفرة وفي آخره العتق من النار.كما نسأل الله أن يُعيننا في هذا الشهر على الصيام والقيام،وأن يفقهنا معانيه وأسراره،وأن يجعله شهر ارتقاء وتغيير للأفضل.
جعلنا الله وإياكم ممن يقومون بحق رمضان خير قيام.
اللهم امين يارب العالمين.
إعداد محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق