آخر المنشورات

الخميس، 13 مارس 2025

*مرحبا بالديمقراتورية* بقلم الكاتب جمال الطرودي

*مرحبا بالديمقراتورية*

منذ أن اعتلى الأسد الرّهيص مَالُومْبَا سدّة الحكم في  السفانا حتى استتبّ  الأمن في البراري. أوّل قرار أصدره الرئيس مَالُومْبَا قرار تنظيم  أوقات الرّعي  و أوقات الصيد. الحيوانات العاشبة تخرج في الصباح إلى المرعى و تعود قبل الغروب إلى مكامنها و الحيوانات اللاحمة تخرج من بعد العصر حتى منتصف الليل. غذاؤها من لحوم من تتأخر  عن العودة من العواشب . أما من يخرج قبل الوقت المحدد  للرعي أو للصيد فعقابه قطع النهر سباحة عند  بركة التماسيح. و يبقى الوقت من منتصف الليل إلى شروق الغد راحة للعشب.

صادف يوم، جاع فيه النمر المرقّط تَامْبُوِي و لم يصبر حتى بعد العصر. خرج   فأمسك غزالا و افترسه. تقدّمت الغزالة  بشكوى  إلى الرهيص مَالُومْبَا. اتهمت فيها النمر تَامْبُوِي بالخروج عند القانون  والغدر  بزوجها. بعد الاستماع إلى الشكوى أمر مَالُومْبَا بإحضار تَامْبُوِي و الذي اعترف بما نُسب إليه متعلّلا  بالسّغب و الخوف من الهلاك جوعا. 
حكم عليه الأسد مَالُومْبَا بقطع النهر سباحة عند بركة التماسيح.

قادت كتيبة من الضباع تَامْبُوِي إلى ضفّة البركة. أصدر مَالُومْبَا الإذن بالتنفيذ.  فكشّرت الضباع  عن أنيابها و تأهّبت لتمزيق  تَامْبُوِي الذي قفز إلى النهر دون مقاومة. جذب وقع سقوطه في الماء التماسيح التي جعلت تتسابق إليه.  التماسيح في الماء و الضباع على الضفة و تَامْبُوِي  وحيد في مواجهتهما.  لو كانت العصابة فردا أو اثنين أو حتى ثلاثة لمزّقها، لكن هذا لفيف من التماسيح أمامه و تلك عُصبة من الضباع وراءه فكيف السبيل إلى النجاة؟
ليس هناك بدّ من المواجهة و الانتقال من الدفاع إلى الهجوم و ذلك بقتال أضعف الجبهتين ما دام الميدان يحيّد أحداهما  بالضرورة. الماء يحيّد الضباع و اليابسة تحيّد التماسيح. لقد رأى أنّ  السباحة بين التماسيح أقرب  إلى النجاة من العَدْو بين الضباع، ربّما يتمكّن من الوصول إلى الضفّة الأخرى. سبح بين كمّاشتي التماسيح   اللتين كانتا تكبسان   على الميمنة و على الميسرة.   حتى وقع في الحصار   واكتنفته دائرة الموت. حوله  فكوك  متعطّشة إلى دمه. عندئذ اخترقت زمرة من النمور المرقّطة عُصبة الضباع و قفزت إلى الماء حيث دار قتال عنيف صبغ البركة باللون الأحمر.  تمكّنت إثره زمرة النمور من إنقاذ تَامْبُوِي و السباحة إلى الضفة الأخرى حيث اختبأت بين الأحراش. 

توعّد الرئيس مَالُومْبَا المتمرّدين بالعقاب و أقسم على سلخ جلد تَامْبُوِي حيّا و حشوه بالقش ليكون عبرة لمن تسوّل له نفسه الخروج عن طاعته.

انقسم شعب السّفانا الى أربعة أقسام. قسم المؤيّدين للرئيس مَالُومْبَا و قسم المتمردين رفاق الزعيم  تَامْبُوِي و قسم العيّاشة من الذين نأوا بأنفسهم عن الصراع و التزموا بالحياد و قسم رابع من  المتلوّنين يتكوّن من الذين يركعون أمام مَالُومْبَا و يصفّقون لتَامْبُوِي.

تمكّن تَامْبُوِي من بسط نفوذه  على الضفة الأخرى رغم محاولات مَالُومْبَا استعادة  سيطرته عليها . 

 فريق من السباع تحالفت مع تَامْبُوِي الذي رأت فيه الزعيم الذي يخدم مصلحة الطائفة.
و التف حول الأسد  مَالُومْبَا عائلته و الفيلة و الجواميس و الخراتيت من الحيوانات المستكرشة. أمّا الغزلان و الأرانب فكانت تختبئ عند رؤية أي فرد من الطائفتين المتنازعتين لأنّ كل طائفة منهما كانت تفتك بمن ليس في صفّها.  الضباع و بنات آوى شكّلت  فصيلا من  المتلوّنين،  الذين  مصلحتهم مع تَامْبُوِي و لا يريدون التفريط في منفعتهم من  الفتات الذي يتركه لهم مَالُومْبَا.

دام الصراع سنوات لظى. غمّت الكريهة فيها السفانا برداء الفناء.  من لهيب الحرب يصّاعد دخانٌ مختلط بأنفاس الحياة.  تنفثه السيّدة القبيحة التي تدخّنه من صدور  أنهكتها الأوبئة ثمّ تلقي بهم على الأرصفة كأعقاب السجائر. 
أقحلت السفانا لمّا تعطّلت العواشب عن العمل بسبب انعدام الأمن.  لقد قلّ وقع حوافرها  التي تعمل عمل المعاول في تقليب التربة كما قلّ بعرها الذي هو سماد للأرض.  فبدأت الصحراء في قضم السفانا حيث غطّت الرمال مساحات شاسعة منها  فتواترت فيها سنوات الجفاف جرّاء تقلّص الغطاء الأخضر الجاذب للأمطار. 
تناثرت الجثث في البقاع  منَ الذين نجوا  من الموت جوعا فأسقطهم سحر السيدة القبيحة الذي تبيعه إلى طرفي النّزاع، نارا تسّاقط على العزّل من السماء تشبرق أجسادهم و لو كانوا في أعماق ملاجئهم. أشلاء متفحّمة و جماجم تدحرجها ريح الكراهيّة التي ترسلها السيدة القبيحة لتحلّ محلّ نسيم الإخاء.

لقد جرح مشهد هياكل الضحايا من الحفاة العراة مشاعر السيّدة القبيحة في المغارة البيضاء، خلف مصبّ النهر، وراء البحار. هزّها توقّف تدفّق النفط و الغاز الذي تستعمله  لطبخ المستحضر السّحري المركّب من جماجم الضحايا و جلود الأبرياء فضغطت على مَالُومْبَا كي  ينهي الحرب الأهلية.

خشي مَالُومْبَا فقدان الكرسي لو قطعت عنه الدّعم السيّدة القبيحة  و أخواتها الساحرات الفاجرات فأصدر فرمانا يعلن فيه تحوّل النظام من الدكتاتورية إلى الديمقراطية  و ذلك بتقاسم السلطة مع تَامْبُوِي بحيث يبقى مَالُومْبَا الرئيس و يصبح تَامْبُوِي الوزير الأول.

تضاحكت القرود و كتبت على أوراق الشجر: "مرحبا بالديمقراتورية!"

[جمال الطرودي/ تونس]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق