قصة قصيرة مستوحاة من الواقع الشعبي
من كتابي الخريف والبيادق/فيتوري العبيدي البيضاء ليبيا
[ القاعة ]
انتصف النهار والتهبت السفوح المؤدية إلى الطريق الترابي المقفر ، عمودية شمس شهر يوليو الحارقة واللاهبة لظهور الحصادة وللسنابل الذهبية المتلألئة
،والمائلة بكل شموخ ، فقد اكتنزت السنبلات بحبوب القمح الذهبي ، موسيقاها المنبعثة من الحسك الأسود أغرت المناجل الملتوية بقطف المحصول ثم جمعه في [ غَمَار ] مكومة ، ومتراصة، نجمعها في العصير الخانق في [ الحماميد ] .......
عمي [هارون] رجل من زمن [ العصملي ] صعب المراس ،لايبتسم كثيراً ،قلما تنفرج أسنانه عن ابتسامةبسيطة ، [ نازي] الطبع، قاسي الملامح ، التشققات في يديه أكبر دليل على مامر به من معاناة وجبروت ....... ونحن صغار نهابه ولاندخل عليه في مكان استراحته،[ مربوعة الزنك ] الصغيرة ، المغطاة بقطع الخيش الخشن ، والمطلية بعناية تامة [ بالجير الأبيض ] كاملة حتى أنه يحدثك التاريخ فيها بصمت ؛ رائحة المعاناة اليومية تقول لك أنها رابضة فيها وعند مرابعها.... ،عند العشاء تسمع الفئران تجري في ماراثون سريع مابين الزنك والخيش الأبيض ، مجاراة للطبيعة الحيوانية من أجل الفوز بقلب الأنثى !!!!
عكاز عمي هارون كان بالمرصاد لها اصطياد بشيء فيه براعة [ ضربة واحدة كافية بقتل اسرع (فأر ) يقوم بالازعاج وإنهاء ذلك الماراثون الليلي ...... عيوننا مصوبة عليه في صمت !!!!
حتى بقية أعمامي لايتكلمون أمامه ،في أي اجتماع كان ، هو الأب الروحي لهم حتى وآن كان جدي ( رحمة الله عليه موجود ) لايتكلم أمامه !!لأنه صاحب القرارات الصائبة في كل شيء حتى في زواج أعمامي. أو بيع المواشي للسوق يوقظهم باكراً قبل شروق الشمس ، الكل يستيقظ لامحاباة ولا واسطة .....
اذكر عمي ( عيسى ) في أسبوع زواجه ايقظه باكراً لمساعدته في[ السقية ]
حيث يقوم عمي [ هارون ] بنشل الدلو الثقيلة من جوف البئر ( الروماني ) عدة مرات ودفعها في الحوض حتى يمتليء .....
أما عمر عيسى فيقوم [بالرَّسَل] للغلم على دفعات صغيرة حتى ترتوي ....
آخر رَسَل يكون [ المعيز ] ( الماعز) لأنه كثير الحركة ،يتراقص دائماً على [ طابية ) البير غير منظم ، يتناطح ، يثغو ، قرونها المدببة كفيلة بأن تعمل عملهافي أي متحدي ......
حتى [حمار الغلم] كرمكم الله لايستطيع الاقتراب إلا أن يثخن بالجراح .....
إذا ازدحم الحوض يكون موضوع كبير تسمع قعقعة القرون الحادة وهي تقدح ناراً وثغاء حاد من البقية المنتظرة هذا إذا حضر السيد المبجل صاحب القرنين الحادين[ التيس ] كرمكم الله لايستطيع أحدٌ الاقتراب ..... فهو المبجل بين الإناث جميعاً ضربة سريعة ودائرية كفيلة بأن تنشر الرعب في الخصم حتى في الحمار ...
ولذلك يقال في المثل الدارج
[ فلان عيونه كيف عيون الجحش اللي يشرب مع المعيز ]!!
يُكْثر اغماض وحركة عينيه خوفاً من طعن( القنا و القرون الحادة ) !!!
لايستطيع الاقتراب أبداً !!!
لسعة واحدة كفيلة بإرساله للعالم الآخر ....!!!!
نعود لعمي هارون .....
أذكر يوماً أن عنزاً تراقصت على طابية البئر وفي غفلة من عمي وقعت في البئر وكادت أن تغرق !!!!
طلب. عمي هارون من أصغر أعمامي النزول للبئر
والذي رضخ للأمر الواقع بكل طيبة خاطر وربط الشاة المعمورة في المياه الباردة حتى رأسها
في حبل الدلو الغليظ ( الرشاء ] وتم نشلهم أي رفعهم للأعلى هم الأثنين بكل سهولة ....
حينما نذهب للحصيدة في الصباح الباكر على ظهور الدواب ،نسير في دروب متعرجة [للمطيرة] مكان الحصاد ...
عمي ( هارون ) عل. الرغم من جبروته إلا أنه طيب وحنون كان يخاف علينا أكثر من نفسه ....
يحذرنا من رفع [ الغمار ] في الصباح لأنها تخبيء الأفاعي السامة تحتها ونصيحته في ذلك لاترفع الغمر إلا بعصا تحته فاءذا كان تحته شيء اخذت حذرك!
الحصاد اليومي نجمعه في [اكياس كبيرة من الخيش ] [ الحماميد مفردها حمادية ] لانكاد نرفعها آلا إذا كنا يداً واحدة ، ويقوم عمي بنقلها( للقاعة ) الغير قريبة !!
القاعة هي عبارة عن هرم عالي في أعلى الجبل تكون السنابل على هيئة هرم كبير يظهر للنظارة على شكل هرمي مصفوف الجوانب ، وكانت أوامر عمي بأن ننظم عملية النقل وتسوية الجوانب[ بالمذرة ] وهي عبارة عن شوكة كبيرة ذات رؤوس مسننة وحادة!
العقاب التوبيخ لكل من يعبث بنظام القاعة الجاثمة على الصفحة الصخرية كأنها فتاة في يوم عرسها ....
في الليل كثيراً مانسمع عمي وهو يهم بالذهاب للمبيت عليها لأن الدواب الضالة كثيراً. ماتخرب [الأجران]..... بكحته المعهودة!
نعرف أنه ذاهب هناك ..على. الرغم ماكنا نسمع أن عند القاعة [ قطرة ]
[حفرة في الجبل ] أن بها جن
يظهر في الليالي المعتمة [ اللي غراقه نجومها ، فبعد العشاء [ وطرح الأسكمبيل ] على ضوء الفنار ننسرق كلنا إلى المجهول خوفاً من مبينا على القاعةوملاقاة الجنية المخيفة .... حكى عنها راعي غنم [ عيت جمعة ] وجاء مخلوع،النفس شاخص العينين ، أخبر أنه رأى امرأة تحمل طفلها وتدخل إلى [ القطرة ] المجهولة التفتت إليه بعيون نارية وابتسامة مخيفة ، مما جعله يجري ولا يلوي على شيء ، فترك الأغنام نهباً للذئاب المتوحشة .......
في ذلك اليوم قتلت شاتان وغرَّمه (جبريل ] ثمنها بكل بساطة فهو رجل بخيل جداً على عكس عمي هارون الكريم .......
للحديث بقية ...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق