❖ ظِلٌّ يَعْضُّهُ الضَّوءُ ❖
بقلم: جبران العشملي ـاليمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنَّ كلَّ ما حولي ينفثُ شُبهاتِه،
صارتْ يداك تِرياقًا يُحقَنُ في الوريدِ دونَ استئذان،
كأنَّ شفتيكَ نبوءةٌ،
وكأنّي مُذنبٌ يُقبّلُ الغفرانَ خلسةً...
---
يَرَونَ اللهَ
في صَدَأِ الأقفال،
في نُدبةِ السجّان،
في ضحكةِ القذيفة وهي تَغْتَصُّ بطفلٍ من غزّة،
في انكماشِ رحمٍ خائف على جدارِ كنيسةٍ مفخّخة...
يرَوْنَهُ في الصَّمت،
في القنابلِ الذكيّة،
في توقيعِ صكِّ الغفرانِ على جثّةِ شهيد.
---
وأنا؟
ظِلٌّ تائهٌ لِصرخةٍ نَسِيَتْ شكلَ حنجرتها.
ظلٌّ لا يُشبه جسدًا،
كأنّي طيفُ نبيٍّ
تخلّى عنه الوحي.
---
كيفَ يَعُضُّني الضوءُ؟
وأنا أَتَكَسَّرُ كلّما حاولتُ أن أراك؟
كلُّ ما حولي راكِدٌ
كقُبْلَةٍ خَجِلَتْ من شهوتها،
ككلامِ حُبٍّ يُقالُ في كانون،
ثمّ يُنسى في آب.
---
أتَذْكُرُ؟
حينَ تشاجرنا بضحكتين،
ثمّ صافحتْ قلوبُنا بعضَها عبرَ خيطِ الغيم،
كيفَ افترشنا المسافةَ بينَ نافذتينِ،
كأنّ الأفقَ رَحِمٌ لظلَّيْنِ لا اسمَ لهما؟
---
أَتَعْلَمُ؟
أحيانًا كنتُ أُحاولُ أن أُعانقكَ عبرَ بُخارِ النوافذ،
فَتَسيلُ القُبلةُ من كَفِّي،
وتنهمرُ على ركبةِ الصليب،
كقهوةٍ مُرَّةٍ
سكبتْها الطفلةُ على الوصايا.
---
أنا ظلٌّ يُقلّبُهُ التعب،
أبحثُ عن اسمٍ في جيبِ قتيل،
عن لهجةٍ في حنجرةِ لاجئ،
عن رَجَفَةِ دبّوسٍ في لحمِ الإيمان،
عن بندقيّةٍ لا تُطلقُ
سوى القصائد.
---
أحتفظُ بأرشيفِ الألم:
من دير ياسين إلى الحُفَرِ التي تُشبه الله،
من كَذبةِ الفلاسفة
إلى ابتسامةِ الجلّاد...
وما زلتُ أتساءل:
كيفَ يرون الله في كلِّ شيء؟
وأنا أراهُ فقط
في لحظةِ بكاءِ ظلٍّ
حينَ يدوسُهُ الضوءُ
دونَ أن يراه أحد...
---
كلُّ ما حولي يلدغُني،
والسمُّ في السُّمِّ،
كأنّ الحياةَ تختبرُ طقوسَ موتي
ببطءٍ مَهيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق