آخر المنشورات

السبت، 12 يوليو 2025

اغتراب بقلم الكاتبة مريم الشابي

 اغتراب


واحدٌ وسط خمسة أفراد داخل قاعةٍ كبيرة تعبق برائحة الأدوية المطهَّرة. أنفّذ الأوامر دون تردّد أو إبداء رأي... ماذا يميّزني عن الروبوت؟ لا شيء. إنني هو، حتى لحظة وخزي بإبرة المخدّر.

"هيا! أسرعي، أسرعي! تقدّمي قبل أن تفقدي قدرتك على الحركة تمامًا!"

صدقًا، كنتُ بطلة... وصلتُ آخر المضمار بعينين ترتعشان بين نصف وعيٍ ونصف فقدان حركة. استسلمتُ، وتمدّدت بهدوء، فاتحةً ذراعيَّ على مصراعيهما: واحدةً لقياس النبض، وأخرى لقياس الضغط.


الحاجز الوردي الذي ألقوه أمام وجهي لم أرمه. أحسستُ أنه يخنقني، يمنع عني التنفّس... بل أكثر: يحجب جزءًا مني.

وضع طبيب التخدير فوق فمي قناعًا وقال: "تنفّسي بهدوء." بعد ذلك، لم أعد أعلم ما حدث تحديدًا.


لكن ما شعرتُ به وأنا بكامل وعيي كان قاسيًا جدًا... كيف لإنسانٍ بكامل وعيه، يسمع، يرى، يحس، أن يشعر كأنه شجرة بلا جذور؟ كيف يتقبل تلك الوجوه المتحفزة والنظرات الجاحظة المنصبة عليّ؟ كنتُ أراها تحفر داخلي، تنبش أحشائي، تغرس أظافرها في نصفي السفلي الذي بدأ يرتعش، ودبت داخلي حرارة الدم المتدفق...


كأنهنّ فراشاتٌ تحلق حيث شئن... كأنني الوحيدة الغارقة في الوحل. يتحولن إلى دبابير تلدغني، إبرهنّ المتتالية تنهشني، وهذا الشريان المعلّق فوق رأسي يوحي إليّ بعُري عروقي: كيف يتدفق هذا المصل الشفاف داخلي؟ لا أريد أن أكون أكثر شفافية! لا أريد أن تصبح دمائي كالعصير المندلق فوق طاولات الأفراح الذي لا تفهم مزيجه: كم نوعًا من الفواكه كان؟


كان فكري منغمسًا في تركيب هذه الفكرة:

"ما دمتَ لست قادرًا على التعافي ذاتيًا، فأنت لست حرًا. وأنت تمنح جسدك لمن يقتحم خصوصيته ليرى ما بداخله من علل، أنت أدرى بها منه."


كيف لا، والطبيبة تغتصب وجعي بكلتا يديها، وتخرج لفافة غارقة بالدماء تعلن انتصارها؟


كانت المصحة تعج بالولادات، وبين الوقت والآخر يصلني بكاء مولود جديد... كم كانت تزعجني تلك الأصوات. كلما مر الوقت، انسلخت مني أكثر. ربما كرهتُ الجنس الآدمي، وتقززتُ من عملية تكاثره. وكلما نظرتُ إليهم، شعرتُ بالغثيان.


كنتُ أودّ أن أتقيأهم... أن أتقيأ نفسي من ذاتي. كم كنتُ خاليةً مني ومنهم.


السؤال الوحيد الذي بقي يصرخ داخلي:

"ماذا فعلتِ بنفسك؟ حبّ، علاقة، أنتِ مجنونة."


لا أجد تفسيرًا لهذا. هل انقطع حبل الوصل بيننا؟ أم أن الوجع أفقدني إحساسي بكل شيءٍ سواه؟

كم كنتُ غريبةً عن نفسي...


مريم الشابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق