نسيج الوقت
حين يخفت ضوء المساء، تهمس الذاكرة بأغنية خجولة، تتسلل عبر شقوق الصمت.
كل لحظة قديمة، كصفحة ذاب لونها في ماء الأيام، لا تزال تنبض رغم تمزقها.
أحلامنا، تلك التي قمنا بطيّها بعناية خلف ستار الخيبة، تتلوى في الظل مثل أشباح تستجدي دفء الانتباه.
نحن لا نتألم من الذكريات، بل من الطرق التي ابتعدنا بها عنها، من المسافات التي نسجها الحنين حولنا.
ومع كل نبضة قلب، نتقاطع من جديد مع فتات منّا، كأن الزمن يعيد رسمنا في أزقة الذكرى، بتفاصيل أشد وضوحًا من الحاضر نفسه.
وهكذا، نمضي بين الأيّام كعابر سبيل، نحمل فوق أكتافنا ما تبقّى من ألحانٍ عتيقة، تتكرر في ذاكرتنا كنغمة لا تكتمل.
كل محاولة للهرب من الذاكرة، لا تؤدي سوى إلى دروبٍ تفضي إليها من جديد، فهي لا تُنسى، بل تُخبّأ في زوايا القلب وتنبض حين يحلّ الصمت.
ما أثقل الحنين، حين يتسلّل إلينا في هدأة الليل، ويعيد رسم الوجوه التي انطفأت في واقعنا، لكنّها مشتعلة فينا.
كأنّ الماضي لا يريد أن يموت، بل يبحث عن منفذٍ ليُبعث، ولو على هيئة ومضة، أو تنهيدة، أو دمعة عابرة.
وها نحن نكتب، لا لنروي الحكاية، بل لنلملم شتاتنا، ونستعيد ذواتنا بين الكلمات، قبل أن تبتلعنا العتمة دون أثر.
إبراهيم العمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق