آخر المنشورات

الثلاثاء، 5 أغسطس 2025

مقاربة فلسفية للحب والشغف في ظل الغياب والأنانية بقلم الكاتب توفيق حيوني

 مقاربة فلسفية للحب والشغف في ظل الغياب والأنانية


الحب، كما يراه أفلاطون، هو سعيٌ نحو الجمال المطلق، انعكاسٌ للنور الإلهي في كينونة المحبوب. لكن ماذا حين يصبح هذا المحبوب غائبًا، أو حين تتحول العلاقة إلى مسرح للأنانية والتقلب؟ هنا يتحول الحب من إيروس صاعدٍ نحو المثال إلى تاناتوس – نزعة موت، كما يصفها فرويد – حيث يبدأ الشغف بالتحلل تحت وطأة الغياب واللامبالاة.  


الغياب وتحويل الوجود إلى مجرد فكرة


الغياب ليس فراغًا عابرًا، بل هو تفكيكٌ للوجود المشترك. فبحسب هيدجر، الإنسان كائنٌ في العالم مع الآخر، والوجود الحقيقي هو الوجود مع الذات الأخرى. حين يغيب المحبوب، يتحول من موجود هنا إلى موجود هناك، أي إلى فكرة مجردة. وهنا يصبح الشغف ذكرى متآكلة، كما يصفها بيرغسون، لأن الذاكرة بدون حضور حيوي تتحول إلى صورة بلا طاقة، تفقد مع الوقت قوتها الدافعة.  


الأنانية وموت الحوار لصالح الحديث الذاتي  


العلاقة العاطفية، في نظر بوبر، يجب أن تكون حوارًا مفتوحًا، أي مساحة تبادلية تذوب فيها الأنا في سبيل "نحن". لكن الأنانية تحوّلها إلى علاقة استيلاب – كما يرى سارتر – حيث يصبح الحب نظرًا من طرف واحد، بدلًا من كونه فعلًا مشتركًا. حينها، يتحول الشغف إلى وهم ضروري، بحسب نيتشه، يُستخدم لملء فراغ الذات بدلًا من مشاركة الوجود.  


التقلبات المزاجية والفوضى التي تبتلع النظام 

 

الشغف يحتاج إلى إيقاع وجودي ثابت نسبيًا، كما يشير كيركغور في حديثه عن المراحل الحياتية. لكن التقلب المزاجي يحوّل العلاقة إلى فوضى بلا معنى، حيث يصبح الحب لعبة وجودية، كما يصفها كامو، يفقد فيها المرء الثقة في قواعد اللعبة ذاتها. هنا، يصبح الشغف جهدًا عبثيًا، لأن المحبوب لم يعد موضوعًا ثابتًا يمكن للرغبة أن تتعلق به.  


الفتور: نهاية أم تحول جذري؟  


الفتور ليس موتًا للحب، بل هو صحوة الوعي، كما يرى هيجل: انتقال من الشغف الكلياني إلى الحب العاقل. فالشغف الأعمى كان وهم الوحدة مع الآخر، بينما الفتور هو اكتشاف أن الوجود الحقيقي يبدأ حين نختار أن نحب بوعي، لا أن نكون مسجونين في إرادة لاكانية تبحث عن اكتمال مستحيل.  


الخلاصة الفلسفية: الاختيار الحر أو العبء الوجودي 


السؤال الجوهري ليس هل ما زلت أحبها، بل هل ما زلت أختار أن أحبها. الشغف الحقيقي، كما يراه سبينوزا، ليس عاطفة عمياء، بل فهمًا يحررنا. إما أن تتحرر من علاقة تُفقدك كينونتك، أو تختار بعقلانية أن تعيد تشكيل شغفك ليصبح حبًا للوجود ذاته، لا لمجرد صورة في الذاكرة.  


الحب لا يموت عندما نكف عن الشعور، بل عندما نكف عن الاختيار.


توفيق حيوني 

المرسى 4 أوت 2025


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق