آخر المنشورات

السبت، 23 أغسطس 2025

في محطة النسيان بقلم الكاتبة زينب عياري

 في محطة النسيان


لا تترك يدي كما تركني  

قطار العمر في آخر المحطة  

مضى وخلّف الصفير وراءه  

كأنه إنذار وجعي في السكينة  


أضعت درب العودة المنسية  

وذابت التذكرة بين أناملي  

جلست في مقهى على هام الطريق  

أرشف قهوتي، والبرد يحتويني  


رذاذ المطر يلهو على وجهي  

وبخار الكوب يلوم رشفتي  

والسكر متجمد في قاعه  

كأنه يأبى حلاوة وحدتي  


ضباب على الزجاج ينسج صمته  

وثرثرة في رأسي لا تشبهني  

تبرأت مني، وكل الناس حولي  

كأنني وحدي، وإن كثروا معي  


حقائب سوداء، حكايات تمضي  

وأرجل ترفس تراب المحطة  

كل إلى وجهته ينتظر  

وأنا أراقب حلم رحلتي يفزعني  


أرى يقظتي في الأحلام  

وفي نومي غربة تتشكل  

تضاريسها صدى في كل لحظة  

وأسئلة تنهش فكري بلا رحمة  


متى ترحلين يا امرأة  

تتمنى الرحيل وهي واقفة  

تحت ظلال لا تتحرك  

أمنيات معلقة، وأثر يديه  

كدبيب النمل في كفي  


تردد داخلي، وأصوات تناديني  

الحق به، يكتمل نصفك  

لكن عزة نفسي تؤنب ضعفي  

وتأسرني في جزيرة يأس  

أشجارها أحلام، وأوراقها وحشة  


كالغياب في ذكريات الخشب  

وحيدون مثلي، كالدمى واللعب  

كأنهم رسائل عشق تناثرت  

كتبها العشاق في الظلام  


وعاشوا كشاعر نادم على قصائده  

قرأوها، ثم رموا بها في رف قديم  

ففي كل حزن لهم فيها ذكرى  

تلامس سقف السماء وتبكي  


لن أسامح الهواجس التي أغرقتني  

في يم الوهم، وتركتني  

كأن العمر في قدح  

والقطار ضاع، وخرج عن السكك  


سأترك تناقضات هذا المقهى وأرحل  

وقفت أتمشى، وبائع الورد ينادي  

من يشتري من الزهر حلة  


حضنني طيف من الخلف  

يلثم وجهي برائحة تذكرني  

أنه هو، الذي لم يترك يدي  

وأنه عاد ليأخذني في الرحلة  


على متن نبضات قلبه  

سلكنا مسافات لا تحصى  

وسافرنا إلى دنيا لا توصف  

وتركنا القطار، وهربنا من ظلم الطريق

بقلمي زينب عياري / 🇹🇳



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق