تخليدا لذكراه..إطلاق اسم الشاعر الراحل مختار اللغماني على المكتبة العمومية بالزارات..
( الشاعر التونسي الذي"أقسم على انتصار الشمس")
كان الشاعر التونسي الراحل المختار اللغماني، كأغلب الشعراء يتألم،ويحيا بالحزن المستمر القاتل،ويعيش وبين جنباته مأساة تلخص ضياع جيله وغربته الفكرية والاجتماعية،ولم يتحمل طويلا ذلك الحزن القاتل..فغادرنا في بداية المحنة..رحل وعلى شفاهه ألف قصيدة على وشك الولادة..مات قبل أن يقول كلّ ما عنده من شعر لا يلتزم إلا بالإنسان..رحل الشاعر الثائر “الذي أقسم على انتصار الشمس”..
وبما أني أتحدث عن فقيد الساحة الأدبية والشعرية المختار اللغماني،فإننا نشير إلى إن إسمه أُطْلِقَ على المكتبة العمومية بالزارات مسقط رأسه.وكانت وزارة الشؤون الثقافية قد وافقت على إطلاق اسم مختار اللغماني" على المكتبة العموميّة بالزارات استجابة لمقترح من المجلس البلدي.
يشار،إلى أن المختار اللغماني هو شاعر تونسي ولد بالزارات جنوب مدينة قابس سنة 1952 حصل على الإجازة في اللغة والآداب العربية سنة 1976...عين استاذا بأحد المعاهد لكنه توفي سنة1976بعد شهرين من تعيينه ولم يتجاوز من العمر 24 سنة..خلف ديوانا مطبوعا بعنوان "أقسمت على انتصار الشمس" وتغنى في شعره بقيم الثورة والحرية والعدالة الاجتماعية.
لقد كان أحد الشموع التي خسرها الشعر التونسي الجديد.المفعم بالوعود والعطاءات.كان أحد الشموع التي فقدتها الطليعة الأدبيّة ببلادنا وهي تدخل منعرجها الجديد..وكان نجما ساطعا في أفق الإبداع الشعري،خسرته الثقافة الوطنيّة المطلّة من وراء الأفق والتي نسعى جميعا إلى توفير مناخها..
ختاما أقول أن الراحل المختار اللغماني،شاعر قومي مجدد قلق،كتب قصيدة التفعيلة،في شعره جدل ينشأ عبر تصارع الأفكار الداخلية،بما يعكس نازع المناجاة،كما أن كثيرًا من قصائده تتعدد فيها الأصوات وتتباين مستويات الذات الشاعرة فهي أقرب إلى الحوار،ومجمل شعره يصدر عن وعي يقظ لقضايا الواقع العربي مثل:"الهوية-المصير - الموقف من الآخر"،فضلاً عن اهتمامه بالقضايا السياسية الصريحة مثل القضية الفلسطينية.
وإذا كانت قصائده تنطلق من لحظات معيشة آنيًا، فإنها تشتبك بالتاريخ،وتجد فيها شواهد تضيء الحاضر،وتبرر نزوعه الثوري،ورغبته الكشف عن معاناة الإنسان العربي تحت أساليب القهر المختلفة،مبشرًا بغد أفضل.." تنتصر فيه الشمس" وربما نجد في شعره أصداء لكبار شعراء الحداثة أمثال صلاح عبدالصبور ونزار قباني..
يقول المختار اللغماني في قصيدة (أقسمت على انتصار الشمس):
الشمس الغاربة في الأفق * الغارق نصفها في الشمس
الشمس المصفرّة الشفق * الذابلة المثقلة بالنوم
الشمس الخجلى كالعادة تنحني للقهر * وتنهزم حتّى هذا اليوم
الشمس تعود لتنام على حقدها * مع انهمار الليل
الشمس تكرك على سرّ * وبيضها يفقس على الخيل
أقسمت بالبدلات الزرقاء * مسوّدة بالمازوط والصديد
أقسمت بالمطارق... تحت العضلات... تسوّي الحديد
أقسمت بالسنابل... أقسمت بالمناجل... سنة الصّابه
أقسمت بالخمّاس... يمنح الأرض شبابه
أقسمت بزيتون الساحل... بتمر الجريد
أقسمت بالشتاء في جندوبة... بالصيف في مدنين
أقسمت بالعمّال وبالفلاّحين... أقسمت بالجبل الأحمر والملاّسين...
هذه الشمس المصفرّة خجلا... يشرق وجهها ذات صباح بدم جديد
تملأنا أملا... وتملأ قلوب الأشقياء..والعبيد
ختاما أقول: لعل من أبرز الخصائص المميزة للعمل الفني عموما والملفوظ الشعري خصوصا انه عمل يستفز المتلقي ويحمله على التفكير والتامل في كل حرف وكل كلمة بل يجعله يبحث عما خلف السطور وخلف الكلمات.ومن هنا يمكننا القول أن الجمالية في الشعر جماليتان : هما جمالية الكتابة وجمالية التلقي.فالطاقة الشعرية تتسع كلما اتسعت دائرة القرّاء لان كل واحد سيتناول النص من منظوره الخاص ويرى فيه ما لا يرى غيره .
ولا يفوتنا الإشارة الى أنه من شروط جمالية النص الشعري أن تكون المعاني والصور متمنعة مستفزة لا تسلم نفسها للمتلقي بيسر بل تحمله على أعمال فكره وقراءة القصيدة بترو،وبذلك يمكننا الإقرار بكثير من الإطمئنان أن النص الشعري نصان: نص مكتوب على ضوء رؤية صاحبه،ونص مقروء حسب رؤية المتلقي .
وهنا نستحضر قول تودوروف ”ان النظرة إلى الحدث الواحد من زاويتين مختلفتين يجعله حدثين منفصلين. وقد لا أجانب الصواب إذا قلت للشعرية أساليبها البليغة، ومؤثراتها المهمة في تفعيل الرؤية الشعرية في القصائد الحداثية المعاصرة، لاسيما حين تمتلك قوة الدلالة المكتسبة من شعرية الأساليب وتنوعها وغناها الجمالي بالتقنيات الفنية المعاصرة،فالشعرية -بالتأكيد-تثيرها الأساليب الشعرية المتطورة، ومحفزاتها الإبداعية الفاعلة في تكثيف الرؤية الشعرية،وتعميق منتوجها الإيحائي المؤثر.
وتظل قصائد الشاعر التونسي الراحل إرثا ابداعيا،تتوارثه الأجيال،كما يظل الشعر جوهر الإنسان أي التطور والتغير المستمر والتجاوز اللامحدود لحدود الكيان،لحدود المضمون والشكل" وأن "الشعر الأصيل رؤيا" كما أن الشاعر "الكائن العظيم الذي تتضاءل أمامه المدارس والإيديولوجيات... "وأنه ليس "مسجّلا" وإنما "زرّاع" فعليه أن يختار "البذور الحيّة".
رحم الله الشاعر الذي "أقسم على انتصار الشمس" فقيدنا المختار اللغماني..
متابعة محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق