حين تتوجع القصيدة في رثاء أليم لشهداء الوطن..يخضر عود الزيتون بفلسطين..ويتبرعم التين والزعتر..
قراءة في قصيدة الشاعرة الفلسطينية الفذة الأستاذة عزيزة بشير " نفذَ القضاءُ..وجفّتِ الأقلامُ"
"بِحار من العز والياسمين/تموج بنعش الشهيد/ثبات ملامحه روح نسر/وثَمّ التفات صغير بعينيه
صوب الحقول/وفي شفتيه كأن النشيد/بهي وقد لف/بالعلم الوطني و بالدم.." ( مظفر النواب )
من منّا لايعرف عبر التاريخ أهمية الأدب المقاوم في مواجهة الاحتلال،وأهمية الشعراء الذين صدح صوتهم فاختلطت المعاناة بمشاعر التمرد،لمواجهة الاحتلال والظلم والاستبداد والتسمك بالهوية والأرض.
وكما هو معروف بأن الأدب المقاوم مصطلح وضعه الأديب الفلسطيني غسّان كنفاني،ليصف الأدب الذي بدأ يُكتب في فلسطين المحتلّة عام 1948،بعد حرب النكبة حيث نادى بالوصول للحرية والاستقلال..نعم،المقاومة بهذا الفعل واجب وضرورة لأنه مفروض على كل إنسان إعلاء القيمة الحقيقية بالمقاومة والتعبير عن الوفاء للوطن..
وهنا أقول : إن الشهادة اصطفاء واختيار وتكريم من الله تعالی للمخلصين من عباده،ويعتبر (الشهيد والشهادة) من أعظم أركان شعر المقاومة، ومن أوسع الأبواب الشعرية التي يدور الشعراء في رحابها.فالشاعر المقاوم عليه أن يصنع مصيره بيده ويكون داعيا إلى التحرر والاستقلال وملتزما بقضايا مجتمعه.
الشاعرة الفلسطينية الكبيرة (الأستاذة عزيزة بشير ) من الشاعرات المقاومات والمهتمات بالشهيد والشهادة،بحيث نراها شديدة الإيمان بحرية الاختيار ومسؤولة أمام مجتمعها الذي تنتمي إليه ( فلسطين الصامدة ) مسايرة شعبها وأبناء قومها،ومقاومة في جل قصائدها التي اطلعت عليها للظلم والطغيان،مناصرة ضد الظالم، متغنية بأمجاد شعبها وبسالته وبطولاته وتضحياته،واستشهاد أبطاله في سبيل الأرض والعرض،وما تقدم به الشهداء من إقدام وإحجام وما تسببوا في التأثير علی الآخرين.
وإليكم هذه القصيدة المتخمة بالدموع،والساخطة على الأفاقين وحفاة الضمير،الذين يطلقون الرصاص المنفلت من العقال،على رجال ماهادنوا الدهر يوما..رجال،ارتفع صوتهم عاليا كي يقول" لا" للمحتل الغاشم،بملء الفم والعقل والقلب والدم،ويخترق بعنفوان مذهل سجوف الصمت والخيانة..
قصيدة مترعة بالرفض والتحدي،وممجدة بطولة شهيدين،هزا استشهادهما ضمير العالم: الصحافيان/ الشهيدان أنس الشريف ومحمد قريقع..هذان الشهيدان ورفاقهم..خمسة أسماء شهداء،لم يكونوا مجرد بطاقات صحفية،بل كانت قلوبهم تنبض بالكلمة والصورة والحقيقة*..وأؤكد هنا للسادة القراء أن لولا بقية حياء عربي،لخرجت عن مألوف الرجال وجميل صبرهم،وانخرطت في نوبة بكاء أليم..تأثرا بها ( القصيدة)..فأضبطوا دموعكم مثلي تماما..
"وأخيراً نفَّذوا تهديدَهمْ،فاغتالوا صوتَ الحَقِّ ( أنَسَ الشّريف )و( محمدَ قريقِع )أشْهَرَ إعلامِييّ الجزيرةِ ،قاتلهُمُ اللهُ!
نفذَ القضاءُ وجفّتِ الأقلامُ
وقضى شهيداً في الوغى….. إنسانُ
كَمْ كنتُ أخشى يا(أنَسْ)مِنْ غَدْرِهِم
صَحَفِيُّ مثلُكَ ، جُرْمُهُ…….. الإعلانُ
في كلِّ مَجْزَرَةٍ نراكَ بِقَلْبِها
تكْشِفْ فضائِحَ للطُّغاةِ ،……..تُدانُ
حرْقاً وقَتْلاً والإبادَةُ شَرْعُهُمْ
بِالجوعِ ، بالتّعطيشِ، …..تبَّ جبانُ
كلُّ الجَرائمِ قد فَضَحْتَ مُصابِراً
لا الجوعُ هَمَّكَ لا الوَغى ، عطشانُ
عَلَّ العُروبةَ تَسْتَمِعْ لِنِدائِكُمْ
وتصُدُّ عنكُمْ فَالْبَلا ……..…..ألوانُ!
رُحماكَ ربّي في أنَسْ وَمُحَمّدٍ
كلٌّ قَضى ، لَمْ تأتِهِمْ …………عُربانُ
قُتِلَ الجميعُ أيا عُروبتِي فاصْدَحي
نفذَ القضاءُ وما فَعلْتِ …….مُدانُ!
سيظلُّ صوْتُكَ يا أنَسْ ومُحمّدٌ
يَدْوي ؛ لِيُنقذَ غزّةً …………..عَلاّنُ !
عزيزة بشير
لا شك أن أدب المقاومة أو الأدب المقاوم بنوعيه الشعري والنثري،يعد نوعا من التصدي لكل أنواع الاستعمار والاستبداد،كما لا يخفی أن شعراء المقاومة ( الشاعرة الفلسطينية أ-عزيزة بشير- نموذجا ) يعبرون عن مشاعرهم الدفينة الصادقة من حب وغضب وحرمان بأجمل وأدق الصور، والشاعر المقاوم يجمع بين مصيره ومصير أمته ويتحمل التشرد والغربة والحرمان،ويوجه سهام نقده وسخطه إلى المحتل القاتل..
وإذا كـان الأدب عامـة فنـاً جمـيلا،فـإن الأدب المقـاوم يـصطبغ بهـذا الجمال في الوقت الذي يحمل رسالته ووظيفته في طبيعته الفنية،لهذا فإن إشراقات الأدب المقاوم ترتقي معراج القيم إلى مصافي التعبير عن كل ما هو نبيل وسامٍ لتحقيق كرامة الإنسان وحريته وطمأنينته،ما يعني أنها استكناه لأسرار الحياة الخيّرة وخلودها كل زمان ومكان لأنها تنبثق من مفهوم العزة والحرية والاستقلال والسيادة..
من هذا المنطلق تعتبر الشاعرة الفلسطينية السامقة الأستاذة عزيزة بشير،من الشاعرات المقاومات،إذ مجدت قصائدها بطولات الشهداء وخلّدت مواقفهم الرائعة،وهي بالتالي من الشاعرات اللاتي تمثلت معالم المقاومة في شعرهن،في أدق المعاني،وأبهى الصور..
ويعتبر الشهيد عند الشاعرة أ-عزيزة بشير رمزا من رموز الكفاح والمقاومة،فبواسطة التذكير بأمجاد الشهداء وبطولاتهم،لطالما أثارت الأمل والتفاؤل والبهجة في قلوب المقاتلين،وفي وجدان حاملي رسالة الجهاد والكفاح حتى النصر المبين..فالشهيد عندها هو الطاقة الخفية التي تجعل للشعب الخلود والمجد،وتظله بسحائب الخير والرحمة والرخاء،وهو الذي يرفع راية الجهاد والعز والشرف والفخر والكرامة مكافحا..
وعليه أدعو القراء الكرام إلى تسلق ذائقتها الشعرية الشاهقة-بعشق جليل-وإجلال نبيل-
أما أنا،فأقول لها: سترفل فلسطين-ياعزيزة-في ثوب التحرير،مهما طال ليلها وأوغل في الدياجير..
لست أحلم،لكنه الإيمان الأكثر دقة في لحظات التاريخ السوداء،من حسابات واشنطن وتل أبيب..
محمد المحسن
*استشهد مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع،والمصورون إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل،في لحظة صادمة كشفت حجم المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون في ميادين غزة الملتهبة،وحجم الثمن الذي تدفعه الحقيقة على أرض محاصرة بالدياجير.
وفي جنازات حاشدة اختلطت فيها الدموع بالهتافات،حمل المشيعون نعوش أنس الشريف ومحمد قريقع ورفاقهما وسط شوارع غزة، ورفرفت لافتات كتبت عليها عبارة "قتلوا الكلمة.. لكن الصورة باقية" فوق الجموع،في حين ردد المشاركون هتافات تطالب بمحاسبة من ارتكب الجريمة.
وكانت الكاميرات الملطخة بالدماء تتقدم المشهد، رمزا لصوت لم ينجح القصف في إسكات صداه..

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق