آخر المنشورات

السبت، 23 أغسطس 2025

عشق الوهم ونبذ الحقيقة في الدول العربية: دراسة تحليلية اجتماعية ونفسية . بقلم : معز ماني .

 عشق الوهم ونبذ الحقيقة في الدول العربية: دراسة تحليلية اجتماعية ونفسية .


بقلم : معز ماني .


تعد ظاهرة عشق الوهم ونبذ الحقيقة من الظواهر النفسية والاجتماعية اللافتة في بعض المجتمعات العربية، إذ يفضل الأفراد في كثير من الأحيان تبني تصورات مثالية أو أوهام حول الواقع على مواجهة الحقائق القاسية والمعقدة. 


هذه الظاهرة ليست مجرد انعكاس للفرد، بل هي نتاج تراكم عوامل نفسية واجتماعية وثقافية وسياسية. ويؤثر هذا الميل إلى الوهم بشكل مباشر على قدرة الأفراد على التفكير النقدي، واتخاذ القرارات الصحيحة، وتعزيز التنمية والتغيير المجتمعي.


أوّلا   : الأبعاد النفسية لعشق الوهم .


    1. تعريف الوهم النفسي :


الوهم النفسي هو حالة إدراكية يختلط فيها الواقع بالخيال، ويعتبر وسيلة دفاعية للحماية من الضغوط النفسية والاجتماعية. 


وفي السياق العربي، غالبا ما يكون الوهم أداة للتغلب على الواقع الصعب، سواء كان مرتبطا بالبطالة أو الفقر أو الفشل الشخصي أو الإحباط العام من المؤسّسات .


      2 . أسباب الميل إلى الوهم :


1. الهروب من الواقع: الأفراد يلجأون إلى الوهم لتخفيف الضغط النفسي الناتج عن الواقع القاسي، أو لتبرير إخفاقاتهم الشخصية أو الجماعية.


2. التحفيز العاطفي: يرتبط الوهم بشعور مؤقت بالراحة النفسية والأمان، ما يجعل التمسك به أكثر جاذبية من مواجهة الحقيقة.


3. ضعف التفكير النقدي: غياب التعليم النقدي والتحليلي يجعل الأفراد أكثر تقبلا للمفاهيم الساذجة والأوهام، ويقلل من قدرتهم على مواجهة الواقع بموضوعية.


      3. آثار الوهم على الفرد :


1. الانفصال عن الواقع وغياب القدرة على اتخاذ قرارات صائبة.


2. تراكم خيبات الأمل نتيجة التوقعات غير الواقعية.


3. العجز عن مواجهة المشكلات الشخصية والاجتماعية بشكل فعّال.


ثانيا     : الأبعاد الاجتماعية والثقافية .


1. الثقافة الجماعية وتأثيرها :


تسهم العادات والتقاليد في بعض الدول العربية في تعزيز الميل إلى الوهم، عبر تشجيع الاحترام المفرط للسلطة، وتقديس كبار السن أو المسؤولين، والحرص على السمعة الاجتماعية. هذه الثقافة تجعل مواجهة الحقيقة أمرا معقدا، وتفضيل الوهم أكثر أمانا اجتماعيا .


2. الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي :


يعمل الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي على تعزيز صور مثالية للحياة، أو نشر قصص نجاح مبالغ فيها، ما يغذي التعلق بالأوهام. 


كما تساهم الدعاية السياسية أحيانا في تكريس تصور وهمي عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي .


3. الدين والعاطفة :


تلعب المعتقدات الدينية دورا مزدوجا، فهي قد توفر وسيلة للتعزية والهروب النفسي، لكنها قد تستغل أحيانا لتبرير رفض الحقائق الاجتماعية أو السياسية المؤلمة، وبالتالي تعزيز الميل إلى الوهم.


ثالثا   : الأبعاد السياسية والمؤسسيّة .


1. الوهم السياسي :


تعتمد بعض الأنظمة على الوهم السياسي لتثبيت السلطة، من خلال تصوير الواقع بصورة أفضل مما هو عليه، أو تغليب الدعاية على الحقائق، مما يغرس في المجتمع ثقافة نبذ الحقيقة وتفضيل التصورات المثالية.


2. أثر الوهم على التنمية :


نبذ الحقيقة يؤدي إلى ضعف التخطيط واتخاذ القرار، وتجمد الابتكار المؤسسي، ويجعل المجتمع أقل قدرة على مواجهة المشكلات الجوهرية أو على تطوير السياسات الفعالة .


رابعا    : العواقب والتحديات .


1. ضعف التفكير النقدي : الميل إلى الوهم يقلل من قدرة الأفراد على تحليل الواقع بموضوعية واتخاذ القرارات الصحيحة.


2. تأخر التغيير الاجتماعي: المجتمع الذي يهوى الوهم يصبح أقل استعدادا لإصلاح أو تطوير مؤسساته .


3. تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية: إنكار الحقائق يؤدي إلى تراكم المشكلات بدل مواجهتها وحلها.


4. الهروب النفسي الجماعي: انتشار الوهم يصبح ظاهرة جماعية، ويضعف قدرة المجتمع على مواجهة الواقع بوعي جماعي.


خامسا   : استراتيجيات مواجهة الوهم وتعزيز الحقيقة .


1. تعزيز التعليم النقدي: إدراج مهارات التفكير النقدي والتحليلي في المناهج التعليمية لتقوية قدرة الأفراد على مواجهة الواقع بموضوعية.


2. تشجيع الحوار المفتوح: خلق بيئة اجتماعية وسياسية تسمح بمناقشة الحقائق دون خوف من العقوبة أو الرفض.


3. الإعلام المسؤول: تشجيع الإعلام على تقديم الحقائق بموضوعية، والابتعاد عن التجميل المفرط أو التضليل.


4. التوعية المجتمعية: نشر حملات توعية لتوضيح مخاطر الانغماس في الأوهام، وتشجيع مواجهة الواقع كأساس للتغيير الإيجابي.


5. تعزيز الشفافية المؤسسية: تطوير مؤسسات قادرة على التعامل مع الحقائق دون خوف أو تهرب، وربط الأداء بالمساءلة الفعلية.


إنّ ظاهرة عشق الوهم ونبذ الحقيقة في بعض الدول العربية  تشكّل تحديا نفسيا واجتماعيا وسياسيا كبيرا، ويعيق التغيير والتطوير الفردي والمؤسسي.كما إن تبني ثقافة مواجهة الواقع، وتعزيز التعليم النقدي، وتطوير الإعلام المسؤول، وخلق بيئة اجتماعية وسياسية تحترم الحوار والمساءلة، يمثل خطوات أساسية نحو تحويل الميل إلى الوهم إلى قوة للتعلم والتغيير الإيجابي، كما أن ّمواجهة الحقيقة ليست خيارا ثانويا، بل ضرورة لبناء مجتمعات واعية، قادرة على مواجهة تحدياتها الداخلية والخارجية بوعي وموضوعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق