☕ قهوة الصباح في وقت الانشراح: ترويحات عاقلة في زمن الجدّ
الحاج عبد المجيد الحسوني
نقيب الشرفاء الحسونيين
> "إن القلوب تملّ كما تملّ الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة."
– عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجه
في ضجيج الحياة اليومية، وبين زحام المسؤوليات والضغوط، قد ننسى أن للقلوب طاقةً محدودة، وأن النفوس لا تقدر على الاستمرار في السير إن لم تتذوق لحظات من السكينة والترويح. ولعلّ هذا ما تنبّه له الإمام عليّ، كرّم الله وجهه، حين شبّه القلب بالجسد، وكلاهما يحتاج إلى راحة، وترويح، وتجديد.
إنّ "قهوة الصباح" ليست مجرد مشروب نبدأ به يومنا، بل رمز لوقفة تأملية عابرة، نستلّ بها خيطًا من نور في عتمة الرتابة، ونتفيّأ فيها ظلال الطمأنينة قبل الانخراط في مسيرة الجدّ. فالمؤمن، وهو في قلب المعركة اليومية، لا يغفل عن حاجته إلى لحظة إنسانية صادقة، فيها ترويح للفكر، واستراحة للوجدان.
⬩ الترويح لا يناقض الجدّ
إنّ التصور الذي يجعل الجدّ نقيضًا للراحة تصور قاصر. فالراحة ليست انسحابًا، بل هي محطة تعبئة. وليست لهوًا مبتذلًا، بل لحظة توازن تجدد العزم. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم – وهم صفوة المجاهدين والعابدين – لا يجدون حرجًا في المزاح اللطيف والضحك النقي، بل يُروى عن بعضهم طرائف ونوادر، تدل على فقه دقيق في طبيعة النفس البشرية.
يقول الإمام عليّ مرةً أخرى:
> "روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلب إذا أُكرِه عمي."
ومن هنا، نفهم أن العقل الرشيد لا يُنكر حاجة النفس إلى فسحة، ولكن يضبطها بمقاصد الشرع وآداب الحكمة. فترويح النفس سنة فطرية، متى ضُبطت، صارت عونًا على الطريق، لا انحرافًا عنه.
⬩ في ضوء المقاصد: لهوٌ عفيفٌ وراحةٌ مؤمنة
يخلط كثيرون بين "الترويح" و"الترفيه"، وبين "الراحة" و"الكسل". لكن الترويح المقصود في تراثنا هو ترويح عفيف، مقصود به تقوية النفس لا إضعافها، ومبني على قيم الفطرة لا على الابتذال.
فقه الترويح الإسلامي لا يتعامل مع الإنسان كآلة، بل كروح وعقل وجسد. ولذلك فإن لحظات الضحك، والحديث الخفيف، والتأمل الهادئ، والمزاح اللطيف، كلّها تدخل في "فقه الحياة المتزنة".
وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله:
> "إن لبدنك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لربك عليك حقًا، فأعطِ كلّ ذي حقّ حقه."
(رواه البخاري)
⬩ بين الصرامة والانفلات: حكمة التوازن
المجتمعات السليمة لا تُبنى على الصرامة المفرطة، ولا على التفاهة العابثة، بل على توازن دقيق بين الجد والفرح، بين العمل والسكون، بين الانضباط والترويح. وهذا التوازن لا تصنعه المؤسسات وحدها، بل يبدأ من الإنسان نفسه، من وعيه بحدوده، ومن إدراكه لحاجاته الروحية والوجدانية.
قهوة الصباح، إذًا، ليست رفاهية... إنها حكمة.
إنها لحظة مصالحة بين الإنسان ونفسه،
بين القلب وضجيج العالم.
⬩ خاتمة: من جدّد قلبه... جدّد حياته
فلنمنح قلوبنا فرصة لالتقاط الأنفاس.
ولننظر إلى الترويح لا كترف، بل كشرط من شروط الاستمرار.
من لا يُرَوِّح عن نفسه بما يُعينها على الطاعة، أرهقها حتى عميت.
ومن عرف كيف يوازن بين الروح والجسد، أدرك سرّ القوة الحقيقية: الاستمرار.
> قهوة الصباح لا تُشرب فقط بالشفاه، بل بالقلوب المفتوحة على الحياة، وعلى نور الحكمة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق