حِينَ يُثْقِلُ اللَّيْلُ كَاهِلَ الْقَلْبِ
سعيد إبراهيم زعلوك
لَا يَجِيءُ وَحْدَهُ،
يَجُرُّ خَلْفَهُ ظِلَالَ أَشْبَاحٍ
تَتَسَلَّلُ مِنْ ثَنَايَا الْمَاضِي
وَتَنْبُشُ نُقَاطَ الضَّعْفِ فِي الْقَلْبِ.
وَأَنَا؟
مَا ذَنْبِي أَنِ اسْتَيْقَظَ الْوَجَعُ فِيَّ
مَعَ أَوَّلِ خَفْقَةِ ذِكْرَى؟
مَا خَطِيئَتِي إِنْ نَبَضَ الْحَنِينُ
فِي زَمَنٍ لَا يُنْصِفُ الْعَائِدِينَ؟
قَلْبِي—
مِصْبَاحٌ ذَابَ شَمْعُهُ،
يَحْمِلُ هَمًّا
يُشْبِهُ جَبَلًا مَقْطُوعًا مِنْ نَفْسِي،
وَالصَّبْرُ…
لَيْسَ سِوَى بَقَايَا دُعَاءٍ يَتَعَثَّرُ
فِي الزَّفِيرِ.
يَمْضِي الْعُمْرُ
كَمَنْ يَتَظَاهَرُ بِالْعَمَى،
وَالنَّاسُ—
وُجُوهٌ تَعْبُرُ
كَأَنَّهَا صَدًى لَا يَخْتَلِفُ.
يَا دُنْيَا،
أَيُّ حَقٍّ لَكِ
فِي أَنْ تَسْتَأْثِرِي بِالأَحْلَامِ؟
أَنْ تَقْتُلِي فِي الْفَرَحِ مَاءَهُ،
وَتَتْرُكِينَا نَحْتَسِي الْمِلْحَ
مِنْ كُؤُوسِ الصَّبْرِ الْمَشْرُوخَة؟
كَتِفِي تَعِبٌ،
وَلَا سَنَدَ إِلَّا الْمَيْلُ،
وَالطَّرِيقُ…
يَتَطَاوَلُ كَأَنَّهُ عِقَابٌ.
الضِّحْكَةُ مَهْدُودَةٌ فِي أَعْمَاقِنَا،
وَالصَّبْرُ تَخَلَّى عَنَّا
قَبْلَ أَنْ نَطْلُبَهُ.
فَمَاذَا بَقِيَ؟
غُبَارُ أَمَلٍ يَنْفُضُهُ النَّفَسُ
كُلَّمَا بَلَغَ فَيْءِ رُوحِهِ.
يَا دُنْيَا،
أَمْهِلِينَا…
دَعِينَا نَلْمُسُ خَفَقَانَ قَلْبٍ
لَمْ يُهْجَرْ بَعْد،
وَنَسْقِي مَا تَبَقَّى فِينَا
بِظِلٍّ لَا يُخِيفُ.
خَفِّفْ عَنَّا،
إِنَّهُ الْقَلْبُ يَحْمِلُ مَا تَفُوقُهُ الجِبَالُ،
وَالرُّوحُ تَنْفَضُ عَنْهَا التَّعَبَ،
وَلَا مَفَرَّ سِوَاك.
لا تَدَعْنَا نُقَاوِمُ وَحْدَنَا،
اجْعَلْ لِأَنْفَاسِنَا مَخْرَجًا،
وَلِدُمُوعِنَا غَفْرَانًا،
وَلِقُلُوبِنَا... سَكِينَةً تُشْبِهُ يَدَكَ.
قَدْ نَنْحَنِي لِلرِّيحِ،
وَلَكِنَّنَا نَحْمِلُ بَذْرَةَ الضِّيَاءِ فِي جُذُورِنَا،
وَفِي كُلِّ كَسْرٍ،
تَسْكُنُ فُرْصَةُ النُّهُوضِ.
لَا شَيْءَ يَبْقَى...
إِلَّا مَا اسْتَقَرَّ فِي الرُّوحِ،
وَآمَنَ أَنَّ النُّورَ
يَنْبُتُ فِي أَشَدِّ الْعَتْمَةِ.
سَعيد إِبْرَاهِيم زَعْلُوك

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق