آخر المنشورات

الأربعاء، 14 أغسطس 2024

مقهى وأسوار بقلم الكاتبة نعيمة مناعي

 مقهى وأسوار 

في أجزائها الثلاثة 


شكرا لمن يتابعني 


*مقهى وأسوار *


الساعة الثامنة وأربع دقائق صباحا ،جلست إلى الشرفة...


 غيم مخترق وشمس حارقة ،وخزتها الذاكرة ...لم ترتب نفسها بعد...


داعبتها نبرة  الصباح الغابرة من حوش بيتهم القديم  ...طفرت دمعة الفقد ،حادت عن شعورها ...رفعت بصرها...تأملت الربوة المواجهة... عاودها الحنين ،لم يدغدغ عمقها سوى ذاك الصباح الممتد ...شجرة الكلبتوس التي تتوسط الحوش ...زقزقة العصافير  ودعابتها ...ابتسامات والدها وصوته الصادح  بمواله ...يقطعه حينا لينادي  رفيقة الدرب ...حتى تحت اللحد ...!


غادرت بخيالها المكان ...

 المدى الفسيح الذي لا  تهزمه التضاريس ...ينتشلها 

من الضيق .

مسحت بيدها على الذاكرة ...دعيني أمر...


أقسمت البارحة أنها لن تعانق الحرف ،ستمضي قدما 

 في العمل ،ستمارسه بحرفية

 حتى في المنزل .


تمتمت :


نحن فقط من نحمل وزر  حقائبنا حتى أثناء النوم ...


غدر بها نبيذ القهوة ،عانقها للمرة الألف ...ليست مدمنة ...!


وحده المكان والزمان وهوس الذاكرة ...


طريق يكاد يكون طويلا ...


كانت حذوها تمشي ...فراشة تسابق الريح ...تحملها

 إلى مكان تضع فيه ثقلها  ...هي لا تعلم ما تحمل ولكن ،تصر على إطعامها الفرح :


ابتسمي ...كوني كما أريد ...الأجمل ...الأنبه ..


تعالي لنجلس في أبهى ركن ...

المكان يتسع بنا ...كل لحظة فيه لا تعوض ،رغم التكرار ...فحضورنا كحضور القهوة .


- ذاك الركن أكثر خضرة تعالي نقتحمه ...


-لا ذاك لصاحب المقهى ،إذن لنغيير المكان.


 ،الليل خارج مساحة البلور ...يبدو أجمل ...


يمضي الوقت والعقارب في اندماجنا متسارعة ...


اقتربت لحظة العودة ...


قامت واتجهت نحو النادل ،سددت الفاتورة ...


ثم اخترقنا في سرعة الأنهج ،لنسير 

على رصيف شارع فسيح غير مكتظ .الهدوء يساعد 

على التحام الحواس والأفكار ...


تعالي  يا إلهام لنقتني بعض ما ينقصنا لفطور الصباح ...

ركبنا المصعد .


البيت هادئ ...لن نستمر طويلا بالمكان ...


بل سأحمل وحدتي وأعود ،هناك  حبث أعيش  ضرورة الإستمرار .


لن أحمل حقيبتي إليك كلما ضاق بي الحال وأسافر ...


علي أن أتدرب على الوحدة ...على القيام ...على صمت

 أقوى...


صارعت الخمول ...أطلت من النافذة ،تثاءبت ،تلووت ...ثم انطلقت ،لن تفتحها ستستقبل الصباح من ورائها ...


للصباح صور مختلفة ...كما الإنسان .

قد تكون باهتة ولكن بعينيها قمة الإنتشاء ...


تذكرت قصة الأمس المبتورة ...همت بها فرممتها ...


لم يبدأ الصباح كما تشتهيه ...تنقصه رائحة القهوة وقرص الشمس ...


عطرت صباحها وجلست ،


النوم راحة والكتابة شفاء

 والوحدة  ...سيدة الروح ....لا انتظار  كل الأماكن بداخلها ممتلئة بالحركة ...


ترتشف بين الحين والحين كأسها...


لم تخطط لرسم الكلمات ...فهي التي تمسك بزمامها ...


ضجيج السيارات المنبعث من "الحومة" يمتزج بزقزقات بعض الطيور 


الخريف بين النضج والفتور ...


بعض الأفكار العابرة ...قوة الرجل

 في ضعفه ...بحثه عن ذاته في كسر الشعور ...في بطولات كاذبة ...في استعادة حبيبة سابقة...في إقامة التوازن في بسط النفوذ ...في كسب ما تيسر 

من النقود ...في اكتشاف كنه النساء ...

في اتخاذ ركن قصي من الحياة ليمتلئ بحب النجاة من الغوص فيها حينا ...

وفي المغامرة بكله أحيانا ...


سيجعل من تلك المرأة شبحا يقاتل لأجله ليكون...اعتقد أنه يحبها ربما ...أغرته فلم يقاوم...الفراغ القاتل بداخله ،جذبه إليها .


مبعثر كحزمة قش في الفلاة ...مهوس بها ...يهذي ....عليه أن يقنعها بشتى الطرق أنها الحياة .


وعليها أن تنصاع ...


اقترب فهد  منها ...فابتعدت ...لم ييأس 


هو يعرف حاجتها ...

وهو من المكر يملك أضعاف سذاجتها.


انتبهت إلهام ...

فعقارب مسؤولياتها  تسارع الزمن ...


عادت لتأتي بحقيبة العمل ...الأحداث مكثفة...


ترغب في  العبور...لتستنشق عبير الصباح لتستمع لتراشق  ملاعق البيت المجاور ...


ولصفير أواني القهوة المتساطع.


نسوة لا يتجاوز  حدود هوسهن المطبخ ...طوبى لهن ...هكذا  حدثت نفسها ...!


جمعت بعضها لتقوم ...

لقد أخذ منها الصباح نصيبه ...


فقامت ...


عبء اليوم أشد وطأة ...


تذكرت ،أنها كانت تدرب نفسها 

على ثقله ...وتؤكد لها أنه  سيمر وستبدع ...ستتخلص 

من  أوزار ما تحمله ...

 وستستميت في استنشاق البعض من أنفاس الحياة ...


فاليوم ،  صباحه أكثر  نضارة::


 منازله ،معطرة بضياء الشمس ...كمرآة

 عاكسة...


الهدوء من الشرفة ممتع. 


جالت بعينيها لتعانق الخضرة البازغة

 من جوانب عدة ...


أخذها الحنين ل " رغد" سمفونية الحياة  المارقة ...تمتمت ...


سأكتفي بارسال رسالة ...سيضيع وتري    إن انغمست فيها ...


ستمطرني أسئلة ...

عن انجازاتي ... صحتي ...صمتي ...حديثي ...!


ربما نختلف في هذا الصباح ...فندنس صفوته ...فرغد صقر التفاصيل ...


ارتشفت رحيقا من القهوة ...و أحست أنها  تتنصل منه بين الحين والآخر...و كلما حاول ،مضاجعة   ذاكرتها ...فهي التي تهفو  بروحها إلى سماء رحبة تعاقر فيها الحرية .


لا تريد العبش بين قضبان نرجسيته ...وغروره ...


تراجعت قليلا ...حاولت طرد سلبية رؤياها ...


لم يرغمني على حبه ...كان غباء مني ...كنت أحتاجه .


ثم تتوقف عند عراك صارخ بداخلها ..


.بل كان أكثر من مقاتل للفوز بقلبي ...أوهمني  أنني جوهرته الثمينة ..قطع أمامي كل الطرق كي  

لا أفر  منه ...


لا لا بل كنت أشتهي مزيدا من قتاله لأجلي ...


كان طفوليا ...و كنت شديدة الإنجذاب  إليه ...

ربما حاجته المفرطة لي ..


عادت "إلهام " لتتجول بنظراتها المشتتة ...بين أركان الفضاء المعانق للسماء ...


سأكتفي بالحياة  بين إشراقة الحرف والشمس ...لن ينال مني ...


سأجعله يخجل من ذكوريته..


حملتها الذكرى لرؤياه في المنام 

وهو يلاعبها ...ملاكا  ..مفعما بالحيوية ...


براءة ابتساماته اذابت بداخلها جليد الأحزان ....


 طفل يرتع بين خمائلها الباهتة ...ينتشلها من الموت الذي أغمضت عليه جفنيها ...


 لقد ألبسها ذهبا ...وغادرها ضاحكا ...


 وجعلها ترتشف نشيد  الحياةبعد تلك الهزيمة ...فلم تنتابها الحيرة....!


بقلم  نعيمة مناعي 

(يتبع)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق