الموروث والإيقاع والتأويل في قصيدة" خليليَّ القلب للشاعرة لمياء العلوي
مقاربة الدكتور عامر شارف /بسكرة/ الجزائر
في مهاد القصيدة : ثمة جزرٌ لا تمرُّ على أرضها إلا مرة واحدة، ولا تشم عبق الموج على جوانبها إلا مرة واحدة، هناك قصائد كثيرة تتناول الغربة، والحب برومانسية ، تجعل للحب قيمة نفسية كبيرة، وتعانق الخوف معانقة الصبي مع لعبه، فالشاعرة التي لا تنتابها قطعة من هلوسة الوجدان والخوف لن تحفل بين حدائق اللوز، ولن تمدّ كفّها للياسمين ، والشاعرة التي لا تحاصرها نوبات الجنون والتردّد لن تكتب نصّا جميلا.. والشاعرة التي لن تخاصرها لغة الوجد والتيهان لن تبوح، ولن ترى غزلانا تسابق السراب في البادية، ولن تسمعُ حمَامًا في أفقها يملأها هديلا .. والشاعرة التي لا ترمي بسهام البوح لن تصيب ذائقة المتلقّي، والتي لا تنتشي بأناشيد الفرح، ولا تبكي أمام آلامها وآلام الأخرين لن تهدي لتعرية المشاعر، وتأوهات العاطفة، في غمرة كل هذه المواصفات التي ذكرتها جمعت الشاعرة أدواتها لكتابة هذه القصيدة التي تعبر عن تجربة مؤلمة ، فاستطاعت أن تقولَ عن رغبتها باحثة عن معانقة السعادة والطمأنية بعيدًا الهم والغمّ ولكن ...
على شاطئ العنوان :
يشير عنوان "خليليَّ القلب" إلى مجد شعري قديم قدم الإنسانية في دلالته العاطفية، يوحي إلى شكل من أشكال الحب والمودّة الصداقة، هذا العنوان مأخوذ من عمق تراثنا العربي الديني الثقافي والشعري، فالشاعرة تتوجه بنصها إلى من تحب (خليليَّ)، مثلما فعلها الشعراء من قبلُ، فكانت قادرة على رسم مشاهد البوح، وإن كانت تدرك جيدًا ما سيجلب لها من الحزن، وقد جمعت لفظة خليليَّ مع لفظة القلب، وكم يدرك المتلقي دلالة كل لفظة على حِدَةٍ، و وكم يدرك مفهومهما معا في بيئتنا الثقافية العربية، فهذا العنوان مشرّدة دلالته، يعبر عن مشاعر اليأس والأمل والاكتئاب الفرح، حيث لم تشر الشاعرة بصراحة في بنية العنوان، ولم تفضح متن النص من خلال عتبته الموازية، ولهذا فضّلت الشاعرة أن تترك ذاكرة المسافة ما بين اليأس والأمل، محاولة الحفاظ على تلك العلاقة المشتهاة، وإذا عدنا إلى لفظة الخليل (الصاحب الذي ليس في محبته خلل) ، فلفظة الخليل هو الصاحب في أقصى تخييل، والشاعرة تخاطب صاحبيها الاثنين " الحِبَّ، والحُبَّ"، ومن تراثنا الشعري على عادة شعراء الجاهليه ومن جاء بعدهم؛ مثلًا في قول امرئ القيس: خليليَّ مرا بي على أمِ جندبِ ... لنقضيَ حاجاتِ الفؤادِ المعذبِ
وفي قوله: قفا نبك من ذكرى حبيب منزل ، طالبا منهما أن يترفقا به في هذا المكان، ليكونا عونا له على الشوق والوجد ويدخلا الفَرح على قلبه وتلك مهمة الأصدقاء، وتذكّرتُ الشاعر ذي الرِّمّة غيلان بن عقبة، وهو يردّد لفظة" خليليّ " في استهلال مجوعة من القصائد، وعلى البحر الطويل، مثل :
خَلِيْلَيَّ عُوْجَا اليومَ حتَّى تُسلِّمَا على دارِ مَيْ من صُدور الرَّكائبِ
خَلِيْلَيَّ لا رسمَ بوهْمَيْنَ مُخبِرُ ولا ذُو حجًا يستنطقُ الدَّارَ يصدرُ
خَلِيْلَيَّ عُوْجَا النَّاعجَاتِ فسَلِّمَا علَى طللٍ بينَ النّقَا والأخارمِ
خَلِيْلَيَّ عُوْجَا عوجةً ناقَتَيْكُما علَى طللٍ بينَ الفلاتِ وشارعِ
خَلِيْلَيَّ عُوْجَا حيِّيَا رسمَ دِمنةٍ مَحَتْهَا الصَّبَا بعدِي فطارَ ثمامُها
خَلِيْلَيَّ عُوْجَا من صُدُوْرِ الرَّواحِلِ بِجُمْهُوْرِ حُزْوَى فَابْكِيَا في المَنَاْزِلِ
وفي بيت كثيّر عزة ( 644/ت 723م):
خَلِيْلَيَّ هذا رَبْعُ عَزَّةَ فاعْقِلا قَلُوْصَيْكُما ثُمَّ ابْكِيَا حيثُ حَلَّتِ
وقال : خليليَّ إنَّ أمَّ الحكيمِ تحمَّلتْ وأخلتْ لـخَيْماتِ العُذِيبِ ظلالها
وهذا الشاعر ابن هاني( 923/ت 973 م)، وهو يصف مدينة المسيلة بجنات عدن، حيث يقول:
خليلي أين الزابُ مني وجعفرُ ... وجناتُ عدنٍ بنت عنها وكوثرُ
فقبلي نَأَى عن جنةِ الخلدِ آدم ... فما راقَه من جانبِ الأرض منظرُ
وهذا الشاعر عبد الغفار الأخرس ( المتوفّى 1291ه/1874م) يقول:
خليليَّ إنَّ الحبَّ ما تعرفانه خليليَّ لو شاهدْتُمَا لعلَمتُمَا
خليليَّ اذْكُرَا في الجزْعِ) عهدي فإنِّي ذاكرٌ بـ( الجزْعِ) عهدَا
قفَا يا خليليَّ دونَ الغـــــُوَيْرِ ولا يتركنّ الخليل الخليلا
في هذين البيتين يُخَاطِبُ الشاعرُ خليلين، والشاعرُ يكون الثالثَ ، فهذا ما يوافقُ نَصَّ الحديث النبوي : (( ... والثلاثةُ رَكْبٌ)) !!، وما دعاني لذكر هذا الحديث الشريف هو ما نَجِدُهُ في قول الشعراء أثناء مخاطبتهم لأصحابِهم في السفر، فإنِّنا نجدهم يذكرون صاحبين أو خليلين أثناء مخاطبتهم بصفته حديث الاستئناس، وهو موروث ثقافتنا، فبهذه الشواهد من الشعر العربي الجاهلي وما بعده نعلمُ سَبَبَ قولِ الشعراء : ( خَلِيْلَيَّ ) بصيغة التَّثْنِيَةِ .
البنية الإيقاعية : ن) فتصبح به (مُسْتَفْعِلُنْ): (مُتَفْعِلُنْ) وتصبح به (فَاْعِلُنْ): (فَعِلُنْ)، وهو زحاف حسن س.
تنتمي القصيدة في بنيتها الإيقاعية كما يرى العَروضيون إلى البحر البسيط، وهو بحر ثنائي التفعيلات "مستفعل، فاعلن، مستفلعن، فاعلن × 2" ، يمتاز هذا البحر بحركة خفيفة داخل بنيته الإيقاعية :" مستفعلن /0/0//0 و فاعلن /0//0 ".
لا حاز قَلبُك بدرًا حين تلمسه ولا جنيت عناقًا مَصْلُهُ الرطبُ
وكتابته عروضيًّا :
/0/0//0 /0//0 /0/0//0 ///0
لا حَازقَلْ بُكَبَدْ رَنْحِينَلْ مَسُهُو
//0//0 /0//0 /0/0//0 ///0
ولاجَنَيْ تَعِنَا قَنْمَصْلُهُرْ رُطَبُو
فالحركة هنا تبدو سرعتها، ولكن سرعان ما يتوالى التذبذب بين الحركة والسكون، ليعود في الأخير السكون ليوقف مؤقتا النغمة الحركية ، وهذا التذبذب يأتي متوازيًا( لأن الإيقاع لا يولد عن الصورة الصوتية فحسب بل انبثق أيضًا عن شبكة العلاقات الدلالية التي تقيمها الكلمات فيما بينها) ، وبهذه الحركية المتموّجة توزعت في القصيدة، وكأن الشاعرة تريد الاستنجاد، والخروج من واقعها المعيش، ووالهروب منه، بحيث تحتاج إلى كلمات سريعة النبض، خفيفة الوقع حتى تكون العلاقة بين الوزن والدلالة في انسجام واتساق، فالقصيدة بكل معانيها في نسيج متحرك ونشاط دائم لتحقِّق الشاعرة استرجاع الحلم المفقود، وإعادة حياتها الطبيعية، والابتعاد عن العتاب، ونسيان الألم العاطفي الذي يؤرقها، وعليه جاءت البنية الإيقاعية ذات بعد وظيفي، موضوعة بين البنيتين الإيقاعية والغرض ، وكان توقيعها، كما اختارت حرف الباء رويًّا "حرفا جهوريا شفويًّا" لتعلن من خلالها ما تودُّ بوحه في شكل صرخة، وقد أفلحت في نسج الإيقاع الداخلي الظاهر من خلال التناسق بين الكلمات وإيقاعها الموسيقي، وقد حاولت أن تجعل الجرس الموسيقي صدًى للمعنى في كل عبارة، ونظمت قصيدتها خليلية لأنها تدرك جيدًا أنّ الإيقاع الموسيقي أقوى عناصر الجمال في الشعر .
تقول الشاعرة لمياء العلوي في مطلع قصيدتها "خليليَّ القلب ":
اسأل فؤادي على ما كنت تُرهِقُهُ عن طارق الليل قد دالت له الخُطبُ
لا حاز قَلبُك بدرًا حين تلمسه ولا جنيت عناقًا مَصْلُهُ الرطبُ
جاء مطلع القصيدة لبدايات أسئلة متسعة من الأسى، ونابعة من عمق الذات الجريحة المرهقة، المصابة بجراحات لا دواء لها، دالاًّ على عطش نفسيٍّ لا يرويه ماء الكون، دالاًّ على معاناة ليلية تعانقها حتى الصباح، دالاًّ على حاملة حلم، وفي يدها وهمٌ، مؤشّر هَمِّ شاعرة حملت أثقال سراب أحلامها، فاقدة مقام السعادة والطمأنينة، متوسدة لهب اللغة والمجازات، على ضفاف ضياء التأمل بقلب عليل، وجاء فعل الأمر هنا ليس للسؤال بل لإبراز حالة الإرهاق التي يعاني هذا القلب المُعنَّى، حيث لا رؤية حدائق اللوز، ولا عراجين الرطب، ولا مريم في زمن ما .. هنا بدايات البوح تواجه نهايات اللوم، مطلع بلا تصريع نظرًا لقلقها، تتوسد أسى الغياب، ومأساة الهجر، وجرائم اللاهتمام واللاعتبار لتلك المشاهد في وجود فاكهة الجسد المنتظر، وغياب لهفة الآخر، فاستخدمت فعل الأمر متجاوزة إياه بالفتح والطي إلى الوصف :
فافتح عقالك حيث الفجرُ منبلجٌ واطوِ المجاز بحيث الحرف يحتدبُ
في ذروة السّقْمِ ذاك النصل معتمِرٌ طوافه الـــجرح يدمـــــــيه ويـــقتطبُ
كم هي بكل صراحة تعلن عن فتح مواسم اللقيا بين خمائل اللوز، وشطآن النرجس، تعانق بوحها في خطاب شعري في وحي ما أفضت به في الفتح، العقال، الفجر، الانبلاج، الطَّيِّ ، المجازات الحرف، والاحتداب، بحيث كلها محمّلة بدلالات في استعارتها، نمثل هنا في النصل "السيف" الذي يبدو كأنه كائن حي يعتمر حين " يلبس" الألم، هذا ما يعطي صورة مجازية للتأثير في المتلقّي، بعيدة عن معانيها القاموسية، ولا حظ هنا لابن منظور، ولا حظَّ لمتصفِّحِي لسانه، ألفاظ تفّاحية المعنى صوفية الدلالات، لكن في البيت الموالي ذكرت الشاعرة السقم والنّصل والجرح والإدماء معبّرة عن تناهيد الشجن، الذي أحسّته في عمق جسد موشَّى بالأسى متوسّلة :
خليليَ القلب حلت فيه آزفةٌ كأنه الجذع فالأخشاب تحتطبُ
سفينة الموت في بحر الهوى اغتربت في حالِك الموج بالمجداف تقتربُ
تستحضر الشاعرة تناصا مع القرآن الكريم في دلالة "آزفة" التي تعني قرب شيء مهيب وعجيب، لما فيه من تخييل، وهنا شبَّهَت القلب بالجذع الذي تحتطب منه الأخشاب، مما يعكس الحالة الصعبة التي يعيشها هذا القلب، ومن خلال انزياح الدّلالي لفظة "آزفة" بمعنى الشيء القريب والمخيف يجعل المعنى أكثر تأثيرًا في نفس المتلقّي، وكذلك رمزت بالسفينة إلى الحياة التي تتنقل عبر بحر الهوى، ودروب المغامرات، وهو مجاز للحب والعلاقات العاطفية والإنسانية بشكل عام، بين الدياجي، والأمواج، معبّرة عن الحيرة والاضطراب، وتبدو نيَّة الوصف في قولها " سفينة الموت" دالّة على تضخيم فكرة الموت ووصفها بالسفينة يعزز من وقعها ودراميتها، وفي هذا السياق ندرج بصمة فنيّة أخرى متمثّلة في كناية محاولة الوصول إلى السلام برؤية مضبّبة، وسط الأمواج العاتية التي ترمز إلى الصعوبات التي تلاقيها الشاعرة في تجاربها اليومية، وهي تؤثِّث لغنائية عبر طباق متمثل في " اغتربت/ تقترب" دالا على انشطار الذات بمفارقة بيّنة، معلنة وجدها وأوجاعها في قولها :
ثقيلة الوجد والأوجاع سابحةٌ مسارها النجم يضوي ثم ينتقبُ
يخفي الصبابة في أرجائه كمد في كل آهٍ له الأوتار تغتصبُ
لم يخفُتْ صوتُها الشعري، فقد ملأ الأفق بالهمس بأسئلة الوجد والأوجاع والبؤس، وقد شبَّهت الأحاسيس كأنها كائن حي يسبَح في الفضاء عبر مسار مأساوي" النجم يضوي ثم ينتقبُ" ، في غمرة الحيرة والقلق، لكن هذا الذي يخفي الصبابة كان تائهًا، يقوده الوله، الجارف في غياهب الدنيا، ومعركة الكتابة، وصراعات الحياة، لا نصر في لهب الحبّ بعد الشتات ومضارب الهمس شاهدة ومشهودة، وحوارات الصدى ترنُّ أجراسها في ذاكرة كل منهما؛ وهنا العود يتنهّد، والأوتار ضاجة بالصخب، تضيع حناجر الأشياء، ويضيع الأه والأهات والأوتار، ويبقى صوت الحرمان يدوي يعانق ما تبقَّى من عبق الذكريات، وأطايب الروح المهترئة.. متمثلا في تجسيد معنوي إلى مادّي من خلال تصوير الآه وكأن له أوتارًا تعزف، مما يعطي إحساسًا بالحزن والوجع الذي يتهاطل من أوتارها، كما تزيَّن بطباق" يُضوي ثم ينتقبُ"، وهو طباق بين الضوء والانقطاع يعكس حالة التقلُّب والاضطراب النفسي والحيرة، لكن صفة الحاتمية لم تغب في نصّ الشاعرة :
جودي كغيمة مُزن وهي هاطلةٌ لا وجد أزرع إلا الوهم أنتدبُ
يستيقظ الأمل مرة أخر كغيمة مُزن، قد تحطُّ رحالها على صحراء قلب عطش، قتله ظمأ التمنِّي، ومن المعلوم لا مراكب في الحب إلا التيهان، ولا حبر للكتابة إلا دم الروح، ولا رحلة في الحياة إلا انسكاب التناهيد في أماسي الوحدة، ويتمثّل في تكرار كلمة "جودي" في البيتين السابقين من القصيدة، وهذا التكرار يعزز الفكرة الرئيسية ويضيف إيقاعًا موسيقيًا للنص، ولا خروج من ورطة الذات، إلا بتراتيل القصيدة، وجنايات المخيلة على سيد التأويل، وغصة الشرخ عبر تورية "جودي" الأولى التي قد تكون تورية إشارة إلى الجود "الكرم" نسبة إلى الشاعرة نفسها، ويمكن أنها تعني أن تمنحي (تفضلي وتكرّمي) فعل أمر وغرضُه البلاغي التماس، ويمكن أن تكون كذلك إشارة إلى اسم شخص من تصفه بالحاتمية كالغيمة، كالمزن عطاءً غير محدود، أمّا الثانية : جودي بحظٍّ فساعات الهوى نزقت تُدقُّ بالجدب لا خيلٌ ولا خَبَبُ
لن تكون إلا بمعنى تكرّمي، طلبًا والتماسًا، لنقضيَ حاجاتِ الفؤادِ المعذبِ على رواية امرئ القيس، وهو يتحدّث عن نفسه معترفا على حدّ قولها مستأنسًا مرتّلا عتابه بخط عريض : عاتبت نفسي إذا ماعُدت أعرفها عتَّقتُها زمنًا فاستفحلت حجَبُ
كان العتاب آخر مراحل البوح، شهقة قافية المعنى، وتنهيدة رويّ الدلالة، وما أصعب عتاب الذات، حين تحال إلى علمها، وقد اختزلت جميع تجاربها بمدرج صوفيَّة أوقفت عقارب الزمن، أغلقت المكان، وفتحت معراج القصيدة فنيا، فكان الوله البلاغي في قراءة متلقٍّ بهذا التأويل، هذه الأمثلة والعناصر الجمالية تضيف غنى وعمقًا إلى النص الشعري للشاعرة لمياء العلوي، مما جعلها تعبر عن مشاعر معقدة ، ومواقف إنسانية، بصور شعرية مؤثرة في المتلقّي.
الخاتمة :
القصيدة بين الموروث والإيقاع والتأويل ،حيث حافظت الشاعرة لمياء العلوي على الموروث الثقافي واعتمدت على السابق المعرفي، واتبعت المنجز الجمالي الأدبي، وقد شملت قصيدتها الجوانب الأدبية وبخاصة الشعرية ، وتمسّكت بالممتلكات الثقافية من التراث الأدبي ، والأعمال الفني,ومن ذلك استدعاء اللفظة، تركيب العبارة، والإيقاع الشعري، محتفظة بكل عنصر احتفاظا بيِّنًا، نظرًا للبيئة التي عاشتها الشاعرة لمياء العلوي.
كما يعتبر الإيقاع خاصية من الخصائص الشعرية الأساسية، فهو ليس قالبا جاهزا وإنما هو مادة تتشكل بحسب مقصدية الشاعرة، فأتى سريعا، فليس هناك إيقاعا موسيقيا معينا، فرض نفسه على الشاعرة من بحر البسيط، فصاغت بكل حرية على النحو الموسيقي الذي يتناسب وخلجان نفسها ودفقان مشاعرها من خلال زحاف الخبن في بنية التفعيلتين المختلفتين مستفعلن/ فاعلن، ولذلك جاءت الأبيات امتلاءً بالمعنى، وأكثرها حيوية تلك التي تتوازى فيها حركات الإيقاع الموحية وتموجات المعاني واهتزازات الدلالة، وهذا يعود إلى ارتباط الإيقاع بالمعنى، ارتباطا حيويًّا وبخاصة فيما بين التفعيلتين في ظل توتّراتهما الصحيحة فَاعِلُنْ والمخبونة فَعِلُنْ.
أما تأويلنا فقد جاء على وجهين؛ فالأول بمعنى التفسير، كما يذهب إليه بعض مفسّري القرآن حين يقولون تأويل هذه الآية كذا؛ أي: تفسيرها، ومن أشهرهم ابن جرير الطبري، وقد أكون من أحفاد هؤلاء، والوجه الثاني هو محاولة معرفة حقيقة ما يؤول إليه اللفظ، والعبارة وهو المراد بلفظ التأويل في القرآن كما في قوله تعالى﴿هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ﴾ فتأويل الأحاديث هو نفس مدلولها الذي تؤول إليه، قد أكون أصبتُ، وقد أخطأتُ، ولهذا ننتظر القراءات المؤجَّلة من بعدنا.
ـــ ابن منظور، لسان العرب، ص 216.
ـــ امرؤ القيس، الديون، رواية الأصمعي من نسخة الأعلم، ص41.....
ـــ امرؤ القيس، الديوان، رواية الأصمعي من نسخة الأعلم، ص 8.
ـــ ذي الرّمّة، غيلان بن عقبة، الديوان، شرح الخطيب التبريزي، كتب مقدّمته وهوامشه وفهارسه مجيد طراد ، دار الكتاب العربي،بيروت، ط2، 1416/1996، ص 71.
ـــ ذي الرّمّة، غيلان بن عقبة، الديوان ص216.
ـــ ذي الرّمّة، غيلان بن عقبة، الديوان، ص 262.
ـــ ذي الرّمّة، غيلان بن عقبة، الديوان، ص
ـــ ذي الرّمّة، غيلان بن عقبة، الديوان، ص 457.
ـــ ذي الرّمّة، غيلان بن عقبة، الديوان، ، ص 459 .
ـــ كثيّر عزة ، الديوان، جمعه وشرحه الدكتور عباس حسان، نشر وتوزيع دار الثقافة بيروت، لبنان، 1391ه/1971م، ص95 .
ـــ كثيّر عزة ، الديوان،ص 75.
ـــ زاهد علي، تبيين المعاني في شرح ديوان ابن هانيء الأندلسي المغربي، مطبعة المعارف / ومكتبة مصر، 1352ه، ص 813 .
ــــ عبد اغفار الأخرس، الديوان، حققه وعلّق عليه الخطاط وليد الأعظمي، راجعه:عبد العزيز محمد جمعة/إبراهيم عبد الحميد الأسود، ط2، ص ص 14.
ــــ عبد اغفار الأخرس، الديوان، ص27.
ـــ عبد اغفار الأخرس، الديوان، ص101.
ـــ لقد جاء حديث صحيح عند أبي داوود ، والنسائي ، والترمذي في النهي عن السفر منفردا أو إثنين معا ، ونَصُّ الحديث :عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب)) .
ــ مصطفى اللوزاني، جمالية الإيقاع في شعر عباس بن الأحنف، مجلة جذور، العدد 27، 2009، ص67.
ــ القصيدة، الشاعرة لمياء العلوي.
ـــــ القصيدة نفسها .
ـــ يوسف/ 100.
خليلي القلب:
اسأل فؤادي على ما كنت ترهقه
عن طارق الليل قد دالت له الخُطبُ
لا حاز قَلبُك بدرًا حين تلمسه
ولا جنيت عناقًا مَصْلُهُ الرطبُ
فافتح عقالك حيث الفجرُ منبلجٌ
واطوِ المجاز بحيث الحرف يحتدبُ
في ذروة السّقْمِ ذاك النصل معتمِرٌ
طوافه الجرح يدميه ويقتطبُ
خليليَ القلب حلت فيه آزفةٌ
كأنه الجذع فالأخشاب تحتطبُ
سفينة الموت في بحر الهوى اغتربت
في حالِك الموج بالمجداف تقتربُ
ثقيلة الوجد والأوجاع سابحةٌ
مسارها النجم يضوي ثم ينتقبُ
يخفي الصبابة في أرجائه كمد
في كل آهٍ له الأوتار تغتصبُ
جودي كغيمة مُزن وهي هاطلةٌ
لا وجد أزرع إلا الوهم أنتدبُ
جودي بحظٍّ فساعات الهوى نزقت
تُدقُّ بالجدب لا خيلٌ ولا خَبَبُ
عاتبت نفسي إذا ماعُدت أعرفها
عتَّقتُها زمنًا فاستفحلت حُجَبُ
بقلم 🎀 لمياء العلوي 🎀


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق