قراءة نقدية وفق مقاربة دلالية للعنوان.
"!!!القصيدة: " أي حب هذا
الشاعر :طاهر مشي(تونس)
الناقدة :جليلة المازني(تونس)
قراءة نقدية وفق مقاربة دلالية للعنوان.
!!!1- العنوان: أي حبّ هذا
"يُعدّ العنوان سمة العمل الفني سواء في النثر أو الشعر اذ يُمثل عتبة أولى من عتبات النص وعنصرا مُهمّا في تشكيل الدلالة فهو علامة تواصلية وأول لقاء
مادي مع المرسل والمتلقي بالإضافة الى كونه يُشكل حمولة دلالية فهو قبل ذلك
إشارة سيميائية . وسيميائيته تنبع من كونه يجسّد أعْلى اقتصاد لغوي يُغري المتلقي بتتبع دلالته "(1).
هذا العنوان الذي ورد وفق أسلوب انزياحي تركيبي قائم على التعجّب يمكن أن يحدّد نبرة القصيد ونغمتها:
- هل أن العنوان بنبرة التعجب مشحون بالألم أم بالأمل؟
- هل أن العنوان بنبرة التعجب يحمل إدْهاشا للمتلقي في صلب القصيدة؟
- هل أن هذا العنوان باعتباره مُحتوى مُصغّرا للقصيدة يُجسّد مَتْنَها ويكشف معناها؟.
2- التحليل للقصيدة:
استهل الشاعر طاهر مشي قصيدته بنفس جملة التعجب بالعنوان وهو تناص داخلي بالقصيدة وهو أسلوب انزياحي إيقاعي قائم على التكرار يفيد التأكيد.
كأني بالشاعر وبهذه النبرة التعجبية يريد أن يؤكد للقارئ مدى استغرابه من هذا الحب واستنكاره له.
ومنذ العنوان والاستهلال ينتاب القارئ الادهاش وبذلك استطاع الشاعر أن يدفع القارئ بفضوله الى متابعة قراءة القصيدة للوقوف على هذا النوع من الحب .
لقد دعم الشاعر تعجبه واستغرابه لهذا الحب بامتياز باستخدام أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الجمل الاسمية في وظيفة الحال فيقول:
!!!أيّ حب هذا
وتفاصيلك مبعثرة بين الشروق والغروب
وطيفك مسجّى في دفاتري
يتعبد في خشوع
وأفكاري مشتتة بين الماضي
وهذا الحاضر المنصهر
بنار الوحدة ولوعة الفراق
ان هذه الجمل الاسمية التي ابْتُدِئتْ بواوالحال تصف حالة الشاعر الحبيب القلقة والمضطربة أمام متضادات زادت في معاناته (الشروق والغروب/ الطيف والحبيبة/ الماضي والحاضر/ الوحدة والفراق/ اليأس والأمل/ ضمير المتكلم والمخاطبة).
ان ظاهرة الثنائيات التي تواترت بهذا المقطع من القصيدة قد جسّدت بامتياز متعة المفارقة التي تخدم نظرية التلقي الحديثة التي تثير فضول القارئ للاستمتاع بالتأويل.
وهنا قد يستحضر المتلقي ما قيل في وظيفة الثنائيات الضدّية:
أ- "ان الثنائيات الضدية بما تشكله من تباينات دلالية تعدّ عنصرا فاعلا في تكوين المعنى وانتاج الدلالة.
ب- افصاح البناء اللغوي للثنائيات المتضادة في النص عن التمايز الدلالي بين المتضادّات مما يستثير اهتمام المتلقي.."(2)
ان ظاهرة الثنائيات التي تواترت هي ما يصطلح عليه بالنظام الثنائي في الأدب:
"يشير مصطلح الثنائية في الأدب الى تمثيل الأفكار أو الموضوعات أو الشخصيات من خلال استخدام عناصر متعارضة أو متناقضة.. تخلق هذه التقنية الأدبية شعورا بالتوتر او الصراع داخل النص الادبي مما يسمح باستكشاف أعمق للموضوع.(3).
وبالتالي فان هذه الثنائيات تستمد شرعيتها من العنوان الذي هو بدوره مشحون بلوْمٍ مُزدوج .فهل الشاعر يلوم نفسه؟ أم يلوم الحبيبة؟:
- قد يلوم الشاعر نفسه لأنه يرفض أن يعيش معاناة هذا الحب.
- قد يلوم الحبيبة التي "ورّطته" في حب مطبوع بثنائية الغياب والحضور
انها الغائبة الحاضرة:
- الحاضرة : بذهنه/ طيفها بدفاتره / بماضيه..
- الغائبة :بحاضره/
ان هذا الحضور بالغياب سبّب للشاعر جُرحا ينزف وكأني بالشاعر الحبيب يَرْثي نفسه بسبب حبّ قد يعتبره "اللاحب" ومن ثم كان العنوان محتوى مصغرا مبثوثة دلالته على أرجاء القصيدة.
وهل أكثر من أن الشاعر بكل تلك الثنائيات لا يكتفي بالاستغراب من هكذا حب لأن نفسيته المتوترة ووحدته ولوعة الفراق جعلته يرثي نفسه بسبب غيابها فيقول:
فكم سينزف الغياب تفاصيلك
وكم سترسم تحانينك من لوحات عشق
حتى تعودي
وتنجلي المسافات بيننا
فيخسأ الغياب
وتمتد العثرات في سيلان
جارف حد الغرق
وفي صلب هذه المعاناة كأني بالشاعر يُسِرّ الوجع لكنه لم يفقد الأمل في عودتها فيُمَنّي نفسه بانجلاء المسافات بينهما فيخسأ الغياب وتغرق العثرات ويجرفها السيل .
بيْد أن الشاعر باسم الحبيب سرعان ما يعود لنفس الترديدة التي جعلها لازمة في القصيدة :
!!!أي حب هذا
وكأني به وهو يكرّرها يسعى أن يقنع نفسه بأن ذلك أمره المحتوم وقدره في الحب.
وهو يردد هذه اللازمة لا يُخفي عنا صراعا يعيشه بين ألم وأمل:
- انه يتألم لان كل تفاصيل الحبيبة مضت مع الغياب واندثرت كل السحب التي قد تبشر بالغيث النافع كرمز للحياة.
- انه يأمل في بقاء وعد منها ينير غيابه كالشهب
والشهب قد تكون شكلا من أشكال الظواهر الضوئية او الكهربائية
ويقال أن الأمنيات تتحقق عند رؤية الشهب
انها قفلة تتناغم مع نبرة التعجب التي تطبع العنوان وتدعمها في الصراع الذي يعيشه.
وخلاصة القول فان الشاعر قد رسم لنا تجربة شخصية تجسد صراعا عاشه الحبيب مع حبيبته .
وباستخدام ضمير المتكلم المفرد وضمير المخاطبة قد أضفى على تجربته شيئا من الواقعية فكانت تجربة بمثابة ما يصطلح عليه في العلوم الانسانية وفي علم النفس ب"دراسة حالة " تجعل المتلقي يشعر وكأن الشاعر يتحدّث عنه ويشخص حالته ليخرج بتقييم فكان ذاك العنوان الذي حوصل متن القصيدة وكان له صداه بكامل أرجائها من خلال اللازمة التي جعلها عنوانا وترديدة تتكرر بمتن القصيدة ومن خلال تلك الثنائيات المحمولة على التأويل لحالات التوتر والصراع التي تنتاب الشاعر باسم الحبيب.
سلم قلم الشاعر طاهر مشي الذي ارتقى بقصيدته الى" دراسة حالة" تجعل المتلقي ينخرط في متابعة هذه التجربة الشخصية .
بتاريخ 18/ 02/ 2025
المراجع:
https ://asjp.cerist.dz(1)
أبعاد العنوان ومدلولاته في الشعر العربي المعاصر
- دراسة تطبيقية-https://units.imamu.edu.sa> Pages(2)
بنية الثنائيات الضدية وصيغها في نصوص تعليم اللغةpdf
https://edurev.in>question>what..(3)
ما هو النظام الثنائي في الأدب؟- سؤال للصف الحادي عشر
!!!أي حب هذا
ااااااااااااا ااااااااااااا
أي حب هذا!!!
وتفاصيلك مبعثرة بين الشروق والغروب
وطيفك مسجى في دفاتري
يتعبد في خشوع
وأفكاري مشتتة بين الماضي
وهذا الحاضر المنصهر
بنار الوحدة ولوعة الفراق
فكم سينزف الغياب تفاصيلك
وكم سترسم تحانينك من لوحات عشق
حتى تعودي
وتنجلي المسافات بيننا
فيخسأ الغياب
وتمتد العثرات في سيلان
جارف حد الغرق
أي حب هذا!!
وقد مضت تفاصيلك والغياب
واندثرت كل السحب
ألا يزال وعدك باقيا
كتلك الشهب
ااااااااااااا
طاهر مشي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق