آخر المنشورات

الأربعاء، 12 مارس 2025

مقالات في رمضان الصيام عند اهل الكتاب بقلم الأديب عبد الكريم احمد الزيدي

 مقالات في رمضان


الصيام عند اهل الكتاب

.......................................


لطالما تسائلنا ونحن في رمضان عما ورد في تنزيل الله سبحانه وتعالى في صيام اهل الكتاب الذي ورد في سورة البقرة الآية (183) ووصفهم بالذين من قبلكم ، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " ولأن الله تعالى لم يفصل في الايات التي وردت بعدها عن معنى صيامهم واوقاته وشروطه أو أي وصف نأخذه على وجه الفهم أو التفصيل أو حتى المقارنة ، وهذا ما أراده الله سبحانه وتعالى ، لما سنجده عند البحث من فارق كبير في النية والفعل والثواب  .


ولعلنا نجد في كتب التفاسير إن المقصود بالذين من قبلكم هم أهل الكتاب ، فيما يرى بعض العلماء إنما القصد بالأمم التي سبقتنا ، وأيّا كان المقصود من الله سبحانه وتعالى فأن الصيام في الإسلام لم يكن ولادة لعبادة لم يشرعها الله من قبل ، وتلك دلالة على إن الأسلام جاء ليتمم النعم ويكمل الدين الذي أراده سبحانه ليرضى بِهِ في عباده ، وإنما كان فرضاً كتبه الله على خلقه من قبل وسماه عليهم وأمرهم بِهِ ، إلا إنهم لم يحافظوا عليه أو خالطوا بِهِ مالم يكن مفروضاً كما سيرد لاحقًا .


وقد جاء في كتب العلم إن أهل الكتاب كانوا يصومون اليوم العاشر من شهر محرم وهو اليوم الذي قالوا فِيهِ ، نجّى الله موسى ( عليه السلام ) وقومه من فرعون ، فهم يصومونه شكرا لله ، ولما هاجر الرسول الكريم صَل الله عليه وسلم إلى المدينة وسألهم عن صيام هذا اليوم ، قال عليه الصلاة والسلام " نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه " حتى نسخ وجوب صيامه بعد نَزُولُ آية صيام شهر رمضان ، وظل صيامه سُنّة كما قال عليه الصلاة والسلام " إذا كان العام المقبل - ان شاء الله - صمنا اليوم التاسع " إلا إنه توفي عليه الصلاة والسلام قبل العام المقبل .


وكان اليهود يصوموا يومي الخميس والأثنين اعتقادا منهم إن سيدنا موسى ( عليه السلام ) صعد جبل سيناء يوم الخميس ونزل مِنهُ يوم الأثنين ، ولو توافق هذا عندنا مع صيامنا هذين اليومين فقد خالفناهم بالسبب في تشريع صيامه من نبينا عليه الصلاة والسلام ، وبالعلة كما في الحديث " فهما يومان تفتح فيهما أبواب السماء وتعرض الأعمال على الرب " ، أما النصارى فكان صيامهم يختلف بإختلاف الكنائس ( الكاثوليكية ، البروتستانتية ، و الارثودكسية ) وكذلك باختلاف البلدان والأجيال والطبائع ، فيتفق النصارى في كنائسهم على صيام يوم واحد يسموه 'عيد المسيح ' قبل حلول ' عيد الفصح ' الذي يحتفلون به قبل نهاية سنة الميلاد لسيدنا المسيح ( عليه السلام ) كما يزعمون بخمسة أيام من كل عام ، وتختلف الكنائس بصيام أيام أخرى كصوم يوم واحد لكل عيد من أعيادهم ، كعيد الصليب والرسل والعذراء والفطاس إضافة إلى الأربعين يوما .


والصيام معناه عند أهل الكتاب ، الإمتناع عن الأكل والشرب من منتصف الليل حتى الظهر فيما يكمل القادرون منهم الإمساك إلى قبل غروب الشمس بساعة واحدة ، وهذا الإمتناع يكون عن أكل اللحوم وما ينتج من الحيوان مما لونه أبيض ، كبياض البيض والزبدة واللبن وما عدا ذلك يجوز طبخه وأكله بشرط ألا يطبخ إلا بزيت نباتي ، وفي صوم يوم الميلاد يجوز فيه أكل السمك وأنواع الفاكهة لا غير .


وقد جاء ذكر صيام الصمت في كتاب الله سبحانه وتعالى سورة مريم  " فكلي واشربي وقرّي عيناً فإما ترينَّ من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن اكلم اليوم أنسيّا " وقوله تعالى أيضا في سورة مريم " فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبِّحوا بكرة وعشيّا " ، ولربما كان الذكر البين هذا في كتاب الله ما ثبت عن صيام اهل الكتاب .


ومن ملاحظة الخلاف الكبير عند المتدينين من اليهود والنصارى لصيام الأيام التي اتفقوا عليها ، فاليهود يحرمون صيام يوم الأحد ويفضلون صيام يوم السبت ، والنصارى بخلافهم يفضلون صيام يوم الأحد ويحرمون صيام يوم السبت ، فيما كان اليهود سابقاً يصوموا يومي الأثنين والخميس فخالفتهم النصارى ونقلوا صيامها إلى يومي الأربعاء والجمعة ، وما كان هذا النزاع ليقع بينهم لو لم يتبعوا الهوى ويحرفوا الكلم عن مواضعه ، وصدق الله العظيم بقوله في سورة البقرة  " وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليس اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " .


كان بالإمكان التوسع في تفصيل صيام أهل الكتاب ومن سبقهم أو أخذ منهم ما يتبعونه من طرائق ومشارب وعادات ، ومقارنته بصيام المسلمين الذي جاء هدىً وبيانا للعالمين وشرعاً لا يخالفه نهجا إلى يوم الدين ، لولا مخافة الإسهاب والزيادة ، أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم ، والحمد لله رب العالمين .


........................................................................


عبد الكريم احمد الزيدي

العراق / بغداد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق