آخر المنشورات

السبت، 8 مارس 2025

نفحات إيمانية..تعبق بعطر رمضان بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 (نفحات إيمانية..تعبق بعطر رمضان )


أليس رمضان مدرسة تربوية وأخلاقية عظيمة..ينبغي للمسلم أن يتعلم منها،وأن يتربى على فضائلها..؟!


-(يَا أَيُها الَّذِينَ آمَنوا كتب عَلَيكم الصِيام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِين مِن قبلِكم لعلَكم تتَقونَ). سورة البقرة: 183. 

 


كنا أشرنا في مقالات سابقة إلى قيمة مكارم الأخلاق دينيا ودنيويا واعتبرناها صفة من صفات الأنبياء والصديقين والصالحين،بها تنال الدرجات،وترفع المقامات،وقد خص الله جل وعلا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بآية جمعت له محامد الأخلاق ومحاسن الآداب،فقال الله تعالى: (وَإِنَّك لعَلى خُلُقٍ عظِيم) وحسن الخلق يوجب التحاب والتآلف وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر،وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام على حسن الخلق،والتمسك به،وجمع بين التقوى وحسن الخلق،فقال (أكثر ما يدخل الناس الجنة،تقوى الله،وحسن الخلق).(رواه الترمذي)

ويتجلى حسن الخلق في طلاقة الوجه،وبذل المعروف،وكف الأذى عن الناس،هذا مع ما يلازم المسلم من كلام حسن،ومدارة للغضب،واحتمال الأذى.

إن الصوم عامل أساسي من عوامل تأصيل الأخلاق وتعميقها وبنائها على أساس متين من الداخل لأن جمال الظاهر لا يغني إذا لم يكن الداخل محكماً ومنيعاً ولهذا أخلاق الصائمين تأخذ صفة الثبات والاستمرار والنمو المتزايد لأنها مصونة من الداخل والخارج.

في هذا السياق نؤكد على أن  الصيام على وجهه الصحيح ليس مجرد الامتناع عن المفطرات الحسية،بل لا بد فيه أيضا من الكف عن الغيبة والنميمة،وشهادة الزور،وأكل المال الحرام والظلم والعدوان وإيذاء الناس،وسائر رذائل الأخلاق،فمن لم يكف عن هذه القبائح فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

على هذا الأساس،يعتبر شهر رمضان فرصة ذهبية للمسلمين لتطهير أنفسهم والتقرب إلى الله،والتحلي بالأخلاق الحميدة والعمل الصالح،وتعزيز روح التعاون والتراحم بين أفراد المجتمع، صفة ووسيلة وفرصة لا تتكرر في السنة إلا مرة واحدة يغتنمها من يغتنمها ويخسرها الغافلون،وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

ورمضان-في تقديري-مدرسة تربوية وأخلاقية عظيمة ينبغي للمسلم أن يتعلم منها،وأن يتربى على فضائلها،حتى تكون هذه الأخلاق سمة أصيلة في شخصيته،وصفة راسخة في سلوكه، يعيش بها في المجتمع،ويتعامل بها مع من حوله،ويتعبد الله ويتقرب إليه بالاتصاف بها،والتخلق بها في حياته.

ولا شكّ أن كلّ عبادة من العبادات التي فرضها الله تعالى على الإنسان لها حكمة بالغة في إصلاح أمور دينه ودنياه،فمن أجل آثار العبادات تزكية نفس الإنسان وتهذيبها والترقي بها نحو محاسن الأخلاق ومكارمها بحيث يصير المسلم المقيم لفرائض الله تعالى من أحسن الناس أخلاقاً وأنبلهم سلوكاً وأكرمهم شيماً، وهذه الغاية نلمسها في كل شعيرة من شعائر الإسلام، وكل ركن من أركانه، لينتج بذلك التوافق في الإسلام علاقة إيجابية بين الدين والدنيا، والروح والجسد،والدنيا والآخرة،والفرد والمجتمع.

وتتجلى عظمة الصيام لله سبحانه وتعالى،من خلال آثاره على نفس الصائم وروحه،وسلوكه في المجتمع،ومن خلال الغاية التي أخبرنا الله تعالى عنها في كتابه الحكيم،وهي قوله سبحانه (لعلكم تتقون)،والتقوى هي كلمة جامعة لكل معاني الخير التي تمنع صاحبها من الوقوع في الزلل وارتكاب المنكرات،وذلك لأنّ التقوى هي التي تضبط سلوك المسلم،وتنمي القيم الحسنة في حياته، وتجنبه قول الزور والعمل به.

ومن القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم قيمة الصبر بأنواعه وهي الصبر على الطاعة،والصبر عن المعصية،والصبر على البلاء،والصبر على إيذاء الآخرين،والمسلم يصبر ابتغاء الأجر من الله عز وجل..

ختاما أذكرك،عزيزي القارىء بأن والصيام في شهر رمضان لا يقتصر على حرمان النفس من الطعام والشهوات المادية بل لا بد للمؤمن أن يجعل من صيامه ساتراً له عن شهوات الدنيا مانعاً له من حظ الشيطان من النفس الأمارة بالسوء حتى يرتقي بها إلى الدرجات السامية التي تبعده عن الوقوع في الزلل،وأن يرافق مع كف جوارحه،كف نفسه أيضاً عن التطلع إلى محارم الله تعالى وكبح لجامها-كما أسلفت-عن الموبقات كالحسد والكبر والرياء والغيبة والنميمة،مع مجاهدتها في التقرب إلى الله تعالى بالنوافل والطاعات وقراءة القرآن.

وعناية المسلمين بشهر رمضان لا ينبغي أن تقتصر على أداء العبادات وقراءة القرآن،وينبغي أن يصاحب ذلك غرس القيم السامية التي تزكي النفس،وتنفع الناس،وتخدم المجتمع،وترتقي بالأمة،وحري بكل فرد وكل أسرة أن يضعا برنامجًا لتعزيز القيم الإسلامية في النفوس حتى نسعد في الدنيا ونفوز في الآخرة وننال رضا الله عز وجل.

اللهم لك أسلمنا،وبك آمَنَّا،وعليك توكلنا،وبك خاصمنا،وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخَّرْنا،إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه،إنه هو الغفور الرحيم.


إعداد محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق