لتجربة الشعرية لعبد الله القاسمي: بين الرؤيا والانتشار العالمي
مقدمة
تمثل التجربة الشعرية لعبدالله القاسمي أحد الأصوات الحداثية المتميزة في الشعر العربي المعاصر، حيث تتقاطع في نصوصه ثيمات الحرية، التمرّد، الحب، الوجع الوجودي، والبحث عن المطلق. فهو شاعر ينتمي إلى الحساسية الحديثة التي تضع الإنسان في قلب الأسئلة الكبرى: معنى الوجود، صراع الخير والشر، جدلية السلطة والحرية، ومأساة العزلة الداخلية.
القاسمي ليس شاعرًا يكتفي بالانفعال أو البوح الذاتي، بل يوظف نصوصه كـ فضاء جدلي ورمزي يتقاطع فيه الأسطوري باليومي، والفلسفي بالحسي، والسياسي بالميتافيزيقي. من هنا جاءت تجربته الشعرية كرحلة مفتوحة على التناقضات، تحاول أن تؤسس لنصّ شعري يتجاوز الحدود التقليدية.
1. الخصائص العامة لتجربته الشعرية
أ- النزعة الرمزية والميتافيزيقية
شعر القاسمي يقوم على البحث عن المعنى خلف الظاهر، حيث تتحول الصور الشعرية إلى رموز تتجاوز دلالتها المباشرة.
مثال من "آخر الصعاليك":
في نصوصه نلمح حضورًا مكثفًا للحب، لكنه ليس حبًا غزليًا تقليديًا، بل حبّ وجودي إيروتيكي أحيانًا، ينفتح على أبعاد حسية وروحية.
مثال من "الأوديسة التونسية":
ج- الوعي النقدي والسياسي
قصائده مثل "الدكتاتور" و*"المحتكر"* و*"آخر الصعاليك"* تؤكد أن القاسمي شاعر يكتب من موقع المقاومة الفكرية والسياسية، حيث يجعل من النص الشعري أداة لكشف الاستبداد والتنديد بالفساد والاحتكار.
مثال من "الدكتاتور":
د- الانتماء إلى ملحمة رمزية
من خلال مشروعه الشعري "الأوديسة التونسية"، يظهر القاسمي كمن يسعى إلى صياغة ملحمة شعرية حديثة، توثق صراع الإنسان التونسي والعربي مع الاستبداد والاغتراب، عبر لغة شعرية رمزية تعيد إنتاج الأسطورة في سياق معاصر.
2. البنية الجمالية والفنية
أ- اللغة الشعرية
لغة القاسمي متوترة، مشحونة بالإيحاءات، بعيدة عن المباشرة والخطابية. فهي لغة تقوم على:
المجاز الكثيف: تحويل المفردات العادية إلى صور وجودية.
التكرار الإيقاعي: أداة لإبراز الانفعال وتكثيف المعنى.
الازدواجية الدلالية: حيث تحمل الكلمات أكثر من طبقة من المعنى (الحب/الموت، الضوء/الظلام).
ب- البنية الإيقاعية
لا يلتزم القاسمي بالوزن الخليلي التقليدي، بل يميل إلى قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، مع المحافظة على إيقاع داخلي يتولد من التوازي والتكرار والجرس الحروفي.
ج- تعدد الأصوات
قصائده ليست أحادية الصوت، بل نلمح فيها أحيانًا حوارية درامية، حيث يتداخل صوت الشاعر مع صوت الآخر/الحبيبة/السلطة/الجماعة، مما يجعل نصوصه أقرب إلى النصوص الدرامية – السردية.
3. الأبعاد الفكرية والفلسفية
أ- الوجودية الشعرية
القاسمي يضع الإنسان في مواجهة قلقه الوجودي: الموت، الزمن، المصير.
ب- ثنائية الخير والشر
يحضر في شعره تصور فلسفي حول الصراع الكوني بين الخير والشر، سواء عبر رمزية الطغاة أو عبر تمجيد الصعاليك والمهمشين.
ج- النزعة التحررية
النص الشعري عنده يحمل بعدًا ثوريًا، لأنه يسعى إلى تحرير الكلمة والإنسان معًا.
4. القاسمي وسياق الشعر العربي المعاصر
يمكن اعتبار عبدالله القاسمي امتدادًا للتيار الحداثي الذي بدأ مع السياب وأدونيس ودرويش، لكنه يحتفظ بخصوصية تونسية – مغاربية، من خلال استحضاره لرموز الأرض والذاكرة الشعبية والأسطورة المحلية.
5. الانتشار العالمي لتجربة عبدالله القاسمي
لم تعد التجربة الشعرية للقاسمي محصورة في الفضاء التونسي أو العربي، بل أخذت بعدًا عابرًا للحدود، سواء من خلال الترجمة أو من خلال تداول نصوصه في أوساط ثقافية دولية.
أ- الترجمة كجسر للكونية
بعض نصوص القاسمي تمت ترجمتها إلى لغات أجنبية، مما أتاح لها النفاذ إلى دوائر النقد المقارن والدراسات الجامعية الغربية.
ب- الحضور في المنابر الدولية
شارك القاسمي في ملتقيات ومهرجانات شعرية عربية ودولية، حيث قرأ نصوصه أمام جمهور متعدد الثقافات.
ج- القراءة النقدية العالمية
حضور نصوصه في الدراسات الأدبية المقارنة بفضل انفتاح شعره على الرمزية والأسطورة والفكر الوجودي.
د- موقعه في الخارطة الشعرية العالمية
يجمع بين الحسّ المحلي والهمّ الإنساني الكوني، مما يجعله جزءًا من الحوار الشعري العالمي.
خاتمة
تجربة عبدالله القاسمي الشعرية تجربة خصبة، متمردة، ورؤيوية، تجعل من النص الشعري فضاءً للحرية والتمرد والأسئلة الكبرى. فهي كتابة تتجاوز حدود الغنائية إلى أفق فلسفي – رمزي، يمزج بين الهمّ الفردي والهمّ الجماعي، وبين الوجع الذاتي والرؤية الكونية.
انتشارها العالمي يثبت بعدها الإنساني الكوني، مما يجعل القاسمي شاعرًا عربيًا ينتمي إلى الخارطة الشعرية العالمية.
المراجع
أدونيس: زمن الشعر، دار العودة، بيروت.
خالدة سعيد: الحركة الشعرية الحديثة في لبنان.
بول ريكور: الرمزية والهرمنيوطيقا.
إحسان عباس: اتجاهات الشعر العربي المعاصر.
دراسات في الأدب التونسي والمغاربي الحديث.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق