آخر المنشورات

الأحد، 10 أغسطس 2025

الشاعرة عزيزة بشير بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 لمن لا يعرف الشاعرة الفلسطينية المغتربة الأستاذة عزيزة بشير..أقول..


"أيّها المدحور في أرض يضجّ بها الشعاع

أنشد أناشيد الكفاح وسرّ بقافلة الجياع " معبن بسيسو


ليس مشكلة في أن تستحيل-كاتبا مبدعا-،فالمفردات والألفاظ مطروحة على-رصيف-اللغة،لكن الأصعب أن تكون ذاك المبدع القارئ،وهذا الدور المزدوج يجعل -الكاتب-كرها ملتزما أمام قارئيه في أن يقدّم لهم قدرا معرفيا ومعلوماتيا مهما يشارف اكتمال ثقافة الآخر الذي يجد ملاذه المعرفي عند كاتبه،هذا الدور قامت به الشاعرة الفلسطينية السامقة الأستاذة عزيزة بشير عبر مشروعها الشعري الواعد،ومن خلال -إبداعاتها-المدهشة(وهذا الرأي يخصني) وكبار الكتاب والشعراء من أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس ويوسف الخال ومحمد الماغوط مرورا بالاستثنائي محمود درويش وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغيرهم..كانوا يمررون قدرا معرفيا مذهلا عبر سياقاتهم النصية الإبداعية أو السردية مستهدفين خلق حالة من الوعي المعلوماتي لدى القارئ الذي اختلف دوره عن السابق بعد أن استحال شريكا فاعلا في النص،غير هذه الشراكة الباهتة التي أشار إليها رولان بارت بإعلان موت المؤلف/الشاعر.فالمؤلف أو الشاعر، لم يعد ميتا كما استحال في سبعينيات القرن الماضي،ولم يعد إلى أدراجه القديمة منعزلا عن نصه،بل هو الصوت الآخر الذي يدفع القارئ إلى البحث عن مزيد من التفاصيل واقتناص الإحداثيات السردية أو الشعرية بمعاونة الكاتب نفسه..

دعوني أصغي لإيقاع قصيدتها التالية،راجيا من الله،أن لا تخني دموعي..بسبب ما تضمنه من وجع مبطن..


أرَى نصرَ غزّةَ والهزيمةُ لِلعِدا


والنِّتنُ يُقهَرُ  والبِلادُ..تعودُ لي


(غزّا )تُحاسِبُ كلَّ  مُجرِمِ  دَكَّها


وتقولُ للدّنيا انظُري..وَتأمّلي :


"أللهُ معْنا ناصِراً  عَلى (نِتْنِهِمْ)


مَهْما أَبادَ،فلنْ يَفوزَ..بِأَنْمُلِ 


فالأرضُ أرْضي والسّماءُ مِظلّتي


ثَرَواتُ أرْضي لَن تكونَ..لِقاتِلي


ثَرَواتُ أرضي والبِلادُ وقُدسُها


(غزّا )،لنا  لن تُستباحَ..بِمَقتَلِي 


(غزّا) تُحاسِبُ (بايْدِناً) وفَصيلَهُ


ماذا جنَى الأطفالُ..كيْمَا تُقتِّلِ ؟


ماذا جنيْنا كيْ نُبادَ وَنُبتَلى ؟


قُطِعَتْ رؤوسُ..مَعَ الأيادِي وَأرجُلِ


ذابتْ جُسومُ تبخّرتْ..يا ويلَكمْ!


 أيُّ  السّلاحِ  اختَرتُموهُ..لِمَقْتَلي؟


تحت التّرابِ دِمانَا تسألُ قاتِلاً:


أيْنَ الجُسومُ وأينَ بيتِي؟..وتعتَلي


ما تفعلوا ( بالغازِ) بعدَ إبادَتي؟


سيكونُ ناراً  في الحَشا.بِهَا تصْطَلي


ثَرَواتُ تحت  الأرضِ باقيَةٌ لَنا


بِدِمانَا نحرُسُها وَعيْنِ..مُقاتِلِ!


                  (عزيزة بشير)


فلسطين حاضرة في وجدان الشعراء العرب، خاصةً الفلسطينيين منهم،حيث تجسدت في قصائدهم معاني العشق للأرض،والأمل بالعودة، والنضال ضد الاحتلال الغاشم.وقد استطاع الشعر العربي،وخاصة الفلسطيني،ترسيخ وبناء هوية ثقافية عربية مقاومة للاحتلال،ومجسدة عن طريق اللغة واقع الاحتلال المرير،بروح ثورية فلسطينية تقاوم بكل السبل،وتؤمن بحتمية الانتصار على شذاذ الآفاق وحفاة الضمير..ولطالما كانت فلسطين بوصلة القومية العربية والوطنية والإنسانية والأخلاقية بالنسبة إلى الشاعرة الفلسطينية الفذة أ-عزيزة بشير،وما لا يتسق مع عدالة وأخلاقية القضية الفلسطينية،كان بالنسبة إليها،انحرافاً عن العدالة والأخلاق.

وانطلاقاً من واجبي القومي وبضمير عروبي خالص أتوجه للإخوة الفلسطينيين،وللعزيزة عزيزة بشير لأقول: إن فلسطين هي القضية الساكنة في القلب والوجدان وخلف الشغاف،لأنها بوصلة الأحرار في العالم.

وتظل قصائد شاعرتنا أ-عزيزة-عن فلسطين،تحمل قوة الحزن بجدارة،وتفيض بمشاعر الصبر والصمود،رغم كونها لا تغفل القيمة الجمالية،حيث الجرح يتحول إلى وردة.

هي قصائد عذبة،وإن تحررت من المعنى السياسي المباشر،وتصيدت التفاصيل الصغيرة في حيوات الإنسان الفلسطيني،فإنها تظل تدور حول "سؤال الضحية" وتتمسك بالشرطين الإنساني والأخلاقي، وتبشر بالاحتجاج والثورة في أزمنة انكسار الحب والبلاد.

ويستطيع قارئ قصائد هذه الشاعرة الفلسطينية المغتربة ( أ-عزيزة بشير ) أن يتبين كيف أنّ جرح فلسطين ظل يجري نازفا بين كلماتها،وظلت تحضر فلسطين بثقلها التاريخي والديني وأيقوناتها الرمزية في نصوصها الشعرية الخالدة..

وتبقى فلسطين بالنسبة لأحرار العالم قضية أخلاقية في المقام الأول،تستلزم أفقا للتفكير وإعادة النظر في محتواها وفي ما تقتضيه من ضرورة البحث عن سيرورة شكل جديد لا تكون القضية عبئا عليه.

ختاما،لا أقول لشاعرتنا عزيزة بشير إنّ الرأس تطأطأ أمام الموت من أجل الوطن،بل أنّ الرأس لتظل مرفوعة فخرا بشعب أعزل يؤمن بأنّ الشجرة إذا ما اقتلعت تفجرّت جذورها حياة جديدة،وتلك هي ملحمة الإنبعاث من رماد القهر وهي بإنتظار من يدخلها ذاكرة التاريخ عملا عظيما يشع منارة في المسيرة الظالمة التي تنشر ظلمتها قوى الشر في هذا العالم.

سلام هي فلسطين..إذ تقول وجودنا تقول وجودها الخاص حصرا..فلا هويّة لنا خارج فضائها..وهي مقامنا أنّى حللنا..وهي السّفر..

سلام هي فلسطين..يا العزيزة : عزيزة بشير..

سأرفع لك قبعتي..اجلالا..واكبارا.. 


محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق