** (( أمل حامد سالم))-
قراءة في قصة "أصبع عائبة وقطعناها"
للقاص والشاعر مصطفى الحاج حسين
في عالم الأدب القصصي، لا يقتصر دور القاص على سرد الأحداث بل يمتد إلى بناء عوالم معقدة تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي بأبعاده المختلفة
، ليجسد تلك التوترات الإنسانية التي تغرق في أحشاء الصراع الداخلي والخارجي. ومن بين هؤلاء القاصين المبدعين، يبرز (( مصطفى الحاج حسين )) في قصته الشهيرة "أصبع عائبة وقطعناها"، ليضع القارئ أمام تجليات مرعبة من الألم والمأساة الإنسانية، متسلحًا بقدرة فنية نادرة على كشف مظاهر العنف الاجتماعي والتسلط العائلي في سياق سياسي مشحون بالاستبداد والظلم.
لقد استطاع (( مصطفى الحاج حسين))، بمهارة عالية أن ينسج قصة تجمع بين (( الواقع الاجتماعي القاسي)) و (( الصراع الداخلي)) لأبطاله، مستخدمًا أسلوبًا سرديًا قويًا يمزج بين ( الرمزية) و ( الواقعية المرة )، ليجعل من كل حدث وكل شخصية محورية في القصة مرآة تعكس قسوة الحياة والظلم الذي يعصف بالأفراد في ظل المجتمع التقليدي المقيد بالأعراف والتقاليد البالية.
القاص لم يكتفِ بسرد القصة على نحو تقليدي، بل تجاوز ذلك إلى بناء شخصيات معقدة، تصارع في أتون صراع مواز بين القيم الإنسانية و المفاهيم المجتمعية المغلوطة. عبر شخصيات مثل "سميرة" و"عبادة" و"أبو رحمو"، يعبر (( مصطفى الحاج حسين )) عن التوترات النفسية والـ تجاذبات العاطفية التي تلعب دورًا محوريًا في تحديد مصيرهم، وتبرز جليًا التحديات التي تواجه المرأة في المجتمع العربي المغلق.
أسلوب الكتابة لدى مصطفى الحاج حسين، يتميز بالغنى في الوصف والتعمق في الأبعاد النفسية، مما يجعل من القصّة تجربة فنية تحمل الكثير من الإثارة الفكرية، حيث لا تقتصر القصة على مجرد سرد معاناة شخصية، بل تسلط الضوء على القيم الإنسانية المفقودة في مجتمعاتنا، وعلى العلاقات التي تشوهها السلطة والسلطوية، سواء كانت في شكل الاستبداد العسكري أو السلطة الأبوية المتسلطة.
وفي قلب هذه القصة، تتجلى قدرة القاص على معالجة الموضوعات الاجتماعية مثل العدالة والشرف والموت والكرامة، بأسلوب درامي مؤثر، ما يجعلها نموذجًا فنيًا للأدب الذي يواجه الأسئلة الكبرى في الحياة المعاصرة. لذا، فإن قدرة (( مصطفى الحاج حسين))، على إثارة الإحساس بالظلم و التمييز و الانتصار للعدالة الإنسانية تجعل من "أصبع عائبة وقطعناها" قصة تتخطى حدود اللحظة والزمان، لتبقى صادحة بمغزى أعمق يقترب من القلوب والعقول، ويجعلها من بين الأعمال الأدبية التي لا تُنسى.
باختصار، يجسد مصطفى الحاج حسين في "أصبع عائبة وقطعناها" قصة مدهشة، ذات نكهة خاصة، تظهر براعته وموهبته في تسليط الضوء على القضايا المجتمعية الشائكة، وتُظهر لنا أن الأدب ليس مجرد تعبير عن الواقع، بل هو أداة للتغيير و الصراع مع المفاهيم الخاطئة التي قد تعيق تطور الإنسان والمجتمع.
أمل حامد سالم..

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق