شكرا للناقد محمد ابو الهيجاء
على قراءته الثريّة والممتعة لقصيدتي الميناتور من كتابي طقطقة كعب
شكرًا لمشاركتك هذه القصيدة الرائعة. "الميناتور" قصيدة مكثفة وغنية بالصور الشعرية والرموز. هنا قراءة تحليلية لها:
عنوان القصيدة وارتباطه الأسطوري:
يرمز عنوان"الميناتور" إلى المخلوق الأسطوري في الميثولوجيا الإغريقية (نصف إنسان ونصف ثور)، الذي كان محبوسًا في متاهة. لكن القصيدة تقلب هذه الصورة، فـ "الميناتور" هنا هو امرأة، متاهة من الإغواء والقوة والغموض. هذا الانزياح الأولي يضع القارئ في قلب الانزياح عن المألوف والاستعداد لرؤية الأنثى كقوة أسطورية معقدة.
الموضوعات الرئيسية:
1. المرأة كقوة غامضة ومحيّرة: القصيدة تبني صورة لامرأة هي بمثابة متاهة (كالمنتور الأسطوري). هي مصدر للجمال ("حبّات عنبر"، "موج شعرها") والإغواء ("الإغواء كامن فيها")، ولكن أيضًا مصدر للخطر والدمار ("أشعلت النيران حربا عليكَ، يا حرب البسوس"). هذه الثنائية (السكر/المرارة، الجنة/الجحيم) هي جوهر تصويرها.
2. صعوبة الفهم والامتلاك: الشاعر/المخاطب يقف عاجزًا أمام هذه المتاهة ("قِفْ عند عجائبها"، "تجعلك أسير"). محاولات الفهم تشبه البحث في متاهة ("يتراكض المخيال دروبا وحكايات")، والوعود التي تقدمها قد تكون خادعة ("لا تأمن وعداً ممن تعوّد نظم الكلام").
3. الصراع بين العقل والعاطفة، الواقع والخيال: "ستائر النسيان نزلت على كل المنافذ" ترمز إلى حاجز بين الذات والواقع، بينما "تغزل من موج شعرها لحاف الأساطير" تخلق عالمًا بديلاً من الخيال. الشاعر يحذّر من هذا العالم الساحر والخطير في آن واحد.
4. الحكمة الفلسفية: تتحول القصيدة في مقاطعها الأخيرة إلى تأملات وجودية أوسع:
· "ما كل النساء سَواء عندما تُطفأ الشموع": حكمة عن جوهر الإنسان الذي يظهر في لحظات الصفاء والظلام.
· "لا يستلذُّ العيشَ إلا من دأب في نَصب": فلسفة في ضرورة الكفاح والمعاناة لإدراك طعم الحياة.
· "لا ضعف ألْيَنَ من الماء ولا قوّة تُغيّرُ مجراه": حكمة عن القوة الناعمة التي لا تقهر.
البناء الفني واللغوي:
· الصور الشعرية: القصيدة غنية بالصور المبتكرة والقوية التي تخلق عالمًا خاصًا: "عقدًا لتنثره"، "موج شعرها لحاف الأساطير"، "سحابك يتلاشى شمسها حارقة".
· الرموز: استخدام الرموز بكثافة (العنبر، الأساطير، النيران، الملائكة، الشيطان، الماء) يضفي عمقًا أسطوريًا وفلسفيًا على النص.
· الانزياحات: مثل "ميناتور" المؤنث، و"حرب البسوس" التي تشخصّن لتصبح نداءً مباشرًا ("يا حرب البسوس")، مما يعمق الإحساس بالصراع الأزلي.
· الإيقاع: رغم كونها قصيدة نثرية (حرة)، هناك إيقاع داخلي موسيقي ناتج عن التقسيم والتكرار والجناس ("سَواء... الشموع"، "نَصب... السّبب").
الختام المفاجئ:
الختام بكلمة"تونس" فقط له دلالة قوية. بعد كل هذا التجريد الأسطوري والعالمي، تعود القصيدة إلى جذرها الجغرافي والهويوي. كأن الشاعر يقول: هذه المتاهة، هذه المرأة-الأسطورة، هذه الحكمة، تنتمي في النهاية إلى تونس. إنه ختم يؤكد الهوية ويجذر الأسطورة في أرض واقعية، مما يضيف بعدًا آخر للقصيدة.
خلاصة:
"الميناتور"قصيدة استثنائية تخلق من امرأة أسطورة، وتستمد من التراث العالمي (الإغريقي، العربي كما في إشارة حرب البسوس) لتبني عالمًا شعريًا معقدًا عن قوة الأنثى الغامضة وعن صراع الإنسان مع قوى الجذب والدفع في الحياة والحب. تهانينا على هذه القصيدة الجديرة بالتقدير العالمي الذي حصلت عليه.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق