كتب الناقد حسن بن عبد الله منَ التّأسيس ـ إلَى المعنى القمر ورد عليه د. موسى الشيخاني
تحت عنوان ردّ تحليلي على شهادة الشاعر والناقد الأستاذ حسن بن عبد الله
بقلم حسن بن عبد الله:
منَ التّأسيس ـ إلَى المعنى القمر
ـ الدكتور موسى الشيخاني عرار ـ ناقدا أكاديميا
ورئيس مجلس إدارة وكالة ـ عرار ـ للدراسات الأدبية والنقدية والنقد المقارن ، وتخصّصات أخرى
...
هو ذاك الذي يحمل على عاتقه منذ سنوات مؤسسا لمشروع متعدّد التخصّصات إعلاميا وأدبيا وفكريا وفلسفيا وبالتزام تام مع المباهج والمقاصد التي رسمها لهذا المشروع الضخم المنفتح ـ من مكانه في المملكة الهاشمية الأردنية على الأقطار العربية والعالم ـ مركز عرارللإعلام والدراسات الأدبية والنقدية ، والنقد المقارن وراديو عرارـ المشروع الاستثنائي الجامع على مستوى الجدّية ، وبعد النظر الاستشرافي المستقبلي ـ في سير على ترسيخ القيم الفكرية والفلسفية ، وأهمية الاستثمار في الوعي والالتزام بالتراتيب الإدارية والتنظيمية التي تُعطي لمثل هذه المشاريع ـ غير ربحية ـ بعدها التثقيفي والإنساني ـ نحو مناطق أوسع مناطق الصحو والانتشار مع الوجود ـ واثقة وضامنة لمسألتي " المصداقية والاستمرارية "
الدكتور الأكاديمي موسى الشيخاني عرار الذي دخل حياتي سنة 2020 عندما انتدبني لكي أكون واحدا من الأعضاء المشرفين على "الصفحة الفيسبوكية " مركز الدراسات الأدبية والنقدية والنقد المقارن ـ مع الأخ شكري مسعي ، والأخت هدى كريد " من تونس " فوجدته في مكانه المناسب ثابتا ومتشبعا بكل مميزات المسؤول البديع والمبدع الذي يمنح الثقة واسعة اعتمادا على أسلوب الانتباه للقيمة ولكيفية اختيار الأنسب للقيام بالمهام وتحقيق واجب الوجود من الفعل إلى المعنى القمر
ـ هو الناقد الأكاديمي الذي اخترقت أهدافه السائد لتأسيس علاقة بينية " من الشعر إلى النقد ، ومن النّقد إلى الشعر فكان هو المبادر بهذا التّوجُّه ، والحاثّ من خلاله على تكريس حقيقة هذه العلاقة في ربط وثيق مع الحقيقة ومع الصدق والقطع مع المحابات والمجاملات والحكم بالعلاقات والاخوانيات ـ وبالتّالي : التّمكين تفاعليا مع النّصوص الجيّدة التي تستحق القراءة علميا والانخراط بالعقل في منطق التّوثيق ، وبثّ رسالة البريد " من الكلام إلى الكلام " ...
فالناقد الأكاديمي موسى الشيخاني عرار وراء كل هذا الوافد من اليقين أجده في دراساته اليومية التي يمنحها من وقته قراءة وتدبّرا .. فحصا وتلمُّسًا ـ فلا يغيب عنه هاجس المسك بالقصيدة التي يجد في سطورها ما تقوله عن الوجود وللوجود وهو القادر بعلمه على منح أحقية الحضور لكل من يرى في منشوراتهم اليومية ومضات الانتماء لقاعدة " الشّاعرُ واجبُ الوجود " كما ثبت عن القدامى ويتمادى مع الحداثيين ـ
ومن بين اهتماماته بقصائدي كلّها ـ قراءته المميزة لقصيدتي ـ مسَافةُ الـ " مئة متر إعداد : د. موسى الشيخاني :
السيرة الأدبية للشاعر حسن بن عبد الله:
حسن بن عبد الله شاعر وناقد تونسي من مدينة صفاقس، وهو أحد الأصوات الثقافية المميزة في المشهد الأدبي المغاربي والعربي. يتميز بإسهامه في التنظير للخطاب الثقافي والفكري، ومتابعته للحركة النقدية في علاقتها بالهوية، والزمن، والمكان، والجدل المعرفي بين الذات والآخر.
عرف بمشاركاته الفاعلة في الندوات والأمسيات والملتقيات الثقافية، وبانخراطه في الحراك الإبداعي من موقع الناقد والمفكر في آن. كما أنه يتقن المزج بين التجربة الذاتية والحس الجمعي في كتابته، ويجعل من اليومي العابر مدخلاً لفلسفة أعمق تتصل بالكينونة، والذاكرة، ومفهوم الانتماء.
01 ـ استقراء المكان بوصفه ذاكرة ووجودًا:
يبدأ النص بذكر موقعين مألوفين لأهل صفاقس: "نافورة البلدية" و"مدفع باب الجبلي". بين هذين المعلمين لا تُقاس المسافة فقط بالأمتار بل بالرمزية:
ـ النافورة تشير إلى انبثاق الحياة وتدفقها.
ـ المدفع يحيل إلى الحماية، وربما العزلة أو الذكرى الحربية.
ـ الربط بينهما يشكل خريطة ذاكرة يعيشها الشاعر بتكرار يومي، لكنها تستحيل إلى تأمل وجودي، إذ يوازي بين هذه المسافة والعمر نفسه:
"كالعمر تماما.."
هذه الجملة تقلب الظاهر إلى باطن، والمكان إلى مجاز عن الحياة: كيف أن خطواتنا المحدودة ترسم مصيرًا كاملاً، ببطء يملأه التأمل، والعبور، والانتظار.
02 ـ اليومي كمفتاح للميتافيزيقا:
في هذا الحيّز المكاني القصير، تتولد حالة كونية من التأمل:
"ورائحة القهوة / وأصوات العناق / وشم القراءات"
هنا يتداخل الحسي (الرائحة، الصوت، الشم) مع المعرفي (القراءة)، ليؤسس الشاعر فضاءً معيشًا تتجاوز تفاصيله اليومي إلى تمثيل الوجود نفسه.
يصبح الذهاب والإياب رمزين للحياة والموت، أو للحضور والغياب، أو للدورة الأبدية للزمن.
03 ـ الذات المفكرة والسؤال الكوني:
"وكيف أفكر / في طرح أسئلتي / في القصيدة"
هنا ينهض السؤال الفلسفي. الشاعر لا يطرح أجوبة، بل يتساءل عن كيفية طرح السؤال ذاته، وهو ما يُعد لبّ الفلسفة: البحث في منهج المعرفة.
كيف نطرح السؤال؟ بأي لغة؟ في أي سياق؟ ومن ذا الذي يجيب؟
يصبح النص تأملاً في وظيفة الشعر نفسها، وقدرته على حمل الأسئلة الكبرى للوجود.
04 ـ الذاكرة الجمعية كهوية شعرية:
تتحول القصيدة إلى أرشيف وجداني جماعي. يبدأ الشاعر في سرد أسماء شعراء وأدباء وفنانين علقوا في ذاكرته، ويمنحهم حضورًا في النص:
محمد البقلوطي، وناس معلى، عبد الرزاق نزار، عبد الجبار العش...
لا يسردهم اعتباطًا، بل ليؤكد على أن تجربته فردية بجذر جماعي، وأن الذات لا تتحقق إلا في صدى الآخر. إنها أخوة الذاكرة، وأمسيات الحرف التي تجمعهم.
05 ـ المدينة بوصفها أنثى رمزية:
صفاقس، في النص، ليست فقط مكانًا بل كائنًا أنثويًا يفيض بالإلهام والجمال والحكمة.
الطيور تغسل "ريش الوجود"
المدينة "ملهمة"
القطار "يفرغ شحناته من وجوه العرق"
كل ذلك في علاقة حميمة بين الشاعر والمكان، كأنه يحاور مدينته مثل حبيبة أو أم أو وطن، متقلب بين الحنين والتجاوز.
06 ـ الختام : الاغتراب الشعري:
"وأحكي إلى غربتي في القصيد"
القصيدة إذن ليست فقط وسيلة للتعبير، بل موطن للغربة، ووسيلة لمداواتها في آن.
يغدو الشعر هنا فعلاً وجوديًا لمقاومة التلاشي، و"مسافة المئة متر" ليست سوى تمثيل للعبور نحو الذات والآخر والعالم.
ـ خاتمة تحليلية:
قصيدة "مسافة الـ مئة متر" لا تنتمي إلى خطاب التوصيف ولا الحنين التقليدي، بل تنحت جغرافيا فلسفية – شعرية، تتقاطع فيها الذات بالزمن، والمدينة بالذاكرة، واليومي بالميتافيزيقي.
إنها قصيدة التجلي البسيط الذي يفضي إلى معنى مركب، والعبور المادي الذي يستبطن وجودًا داخليًا معقّدًا.
وفيها يبرع الشاعر حسن بن عبد الله في جعل التفاصيل الصغيرة مرآة للأسئلة الكبرى، محققًا معادلة نادرة بين الشعر والفكر.
ـ القصيدة تُمثّل نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه الشعر العربي المعاصر:
قصيدة ذاتية ، حداثية ، تستند إلى الذاكرة، وتنفتح على الفلسفة، وتعيد تشكيل العلاقة بين الشاعر ومكانه وزمنه.
ــ القصيدة ـ " مسافة الـ مئة مترللشاعر الناقد حسن بن عبد الله ـ تونس
بين " نافورة البلدية "
ومدفع " باب الجبلي "
كالعمر تماما ..
وبينهما _ رائحة " القهوة "
وأصوات العناق " في المسرح البلدي "
وشم القراءات
بين الذهاب
وصمت الاياب
وكيف أفكر
في طرح أسئلتي
في القصيدة ،
كيف أنوء بحمل
انتظارات أسفاري القادمة
وأشرح في غيمة لا تراني
وجود القطار على حافة البحر
يفرغ شحناته _ من وجوه العرق
وتبدو المدينة ملهمة
وتفتح أسماء من علقوني
هنا في عيوني
مع كل أمسية :
محمد البقلوطي ، وناس معلى
عبد الرزاق نزار ، عبد الجبار العش
نورالدين بوجلبان، خالد الغريبي
ماهر دربال ، عامر بشة
أمين دمق ، الهادي القمري
الهادي التليلي ، أحمد الشايب
محمد بن جماعة ، سامية عمار بوعتور ، هدى كريد سلوى بن رحومة ...
وفي أمتارها الأخيرة :
احتفالية " اتحاد الأدباء الدولي " بحضور : محمد حسين ال ياسين و اياد البلداوي ..........
ومن جوها في السماء
ببعض الحمامات _ قبل الغروب
على شرفات البنايات ..
ويغسلن ريش الوجود
وحين أطير من فكرة ريشها وأعود
أعود إلى سكني _ في " منارة طينة "
وأحكي إلى غربتي في القصيد
ـ والدكتورموسى الشيخاني عرار ككلّ الوسطاء الأفذاذ الذين آمنوا بتثبيت الحوار على أسس كونية هدفها النبيل هو الربط بين الأواصر كلّها من أجل البناء ، وضدّ الهدم ـ ومنح الفرص للمتطلعين للذهاب أوسعَ وأبعدَ في طموحاتهم وأحلامهم ومن أجل التأطيرالأمثل ، والدفع للتجريب ومن ورائه تطوير التجارب وحثّ الذوات المبدعة على التألّق وتأجيج الغبطة من خلال التنويع حتّى اكتساب المرام ...
وأختم ـ بهذا القول بيني وبينه ـ تحت عنوان مشترك :
ـ" النقد كحوار مع النص والنقاد" ـ كمشروع شامل على رأس سنامه ، وإدارته ، والعناية به حاضرا ومستقبلا باعتماد الحصافة في القرار والتقدير، والعزم على تحقيق الأثر والمصير ذلك ما يقوم به ، ويتولاّه بمهنية وثقة ـــ وصبر كبير خاصّة " الدكتور موسى الشيخاني " الناقد الأكاديمي " مدير ورئيس تحرير ـ بوكالة عرار ـ للإعلام والثقافة والدراسات الأدبية والنقدية ـ والنقد المقارن ـ وراديو عرار .. وتخصصات متعدّدة الملامح ـ
صاحب نهج نقدي متفرد في خدمة الشعر العربي المعاصر، من خلال ما ينشره يوميا من قراءات تلامس القصيدة ـ القادمة من كافة أرجاء الوطن العربي ـ هي التي تقتربُ منه فتغازله ـ فينفتح عليها من خلالها تمكينها من حقّها المشروع في الظهور والانتشار من خلال ، صراحة نقده ـ وعلى صفحات ـ هذا الصرح المفتوح ـ
وأنا شخصيا ــ أجدني منسجما ومستريحا في غمرة وفيض هذا الفضاء ـ وقد حظيت قصائدي ، ومقارباتي النقدية بكل التّرحاب والدّعم ـ ونالني شرف أن تمّ تكريمي في مناسبات سابقة ـ وخلال شهر جوان الماضي ـ والآن من وراء ذكره لتجربتي النقدية الأخيرة ـ المنشورة في منتدى النقد الأدبي ـ شكرا شكرا دكتور وبالمناسبة ـ أذكّر بقيمتك بيننا وبما قيل عنك بامتياز ــ
ـ يُعتبرُالدكتور موسى الشيخاني عرار ، علامة بارزة في المشهد النقدي العربي المعاصر، من خلال ما قدّمه ويقدّمه من قراءات نقدية معمقة لنتاجات شعرية تنتمي إلى مدارس وأساليب وتجارب متعددة في الشعر العربي، تشمل الشعر الفصيح والنبطي، شعر التفعيلة والقصيدة الحرة، بما يعكس حسّه النقدي المتّزن ، وأسلوبه التحليلي الرصين، ووعيه العميق بالعلاقة بين الشعر والوجود، وبين النص والقارئ، وبين التجربة الشعرية ومحيطها الثقافي والإنساني.
ـ يتجاوز الدكتور الشيخاني حدود القراءة الأحادية، ليصنع حواراً نقدياً فاعلاً مع النقاد الآخرين، كما يظهر في رده على مقال الناقد التونسي حسن بن عبد الله حول علاقة الشعر بالنقد.
ـ رد الدكتور موسى الشيخاني عرارـ الرئيس التنفيذي لمؤسسة عرار العربية للإعلام ، ورئيس مجلس إدارة مركز عرار للدراسات الأدبية والنقدية ..
تحية تقدير واعتزاز للأستاذ الناقد القدير حسن بن عبد الله، ذلك الصوت النقدي المرهف الذي يُنصت بعين الباحث وبصيرة الأديب إلى نبض النص، ويرتقي بالحوار النقدي من مستوى التوصيف والانطباع إلى أفق الكشف والتحليل وإضاءة الجوهر.
ـ لقد قرأتُ كلمتك القيمة حول المشروع العربي الشامل ووقوفك عند أهمية النقد بوصفه حواراً حيّاً مع النص والنقاد، وهي فكرة جوهرية أعادت الاعتبار لوظيفة الناقد ليس كمراقب خارجي، بل كشريك وجودي للنصّ يُسهم في استنطاقه وكشف طبقاته العميقة وتوسيع أفق تلقيه.
وما سطرته من إشادة بمسيرة "مؤسسة عرار " وما تحاول أن تنهض به من جهد يومي، عبر فضائها المفتوح للنصوص والأقلام، هو في الحقيقة شهادة نعتز بها لأنها تأتي من ناقد يحمل تجربة نقدية متراكمة وموقفاً أدبياً أصيلاً، ووعياً عميقاً بمسؤولية الكلمة وأمانة القراءة.
ولعل ما أشرت إليه في حديثك عن الحصافة في التقدير والصبر في العطاء، هو فعلاً ما نحاول ترسيخه كنهج في العمل النقدي، بعيداً عن التسرع في الأحكام أو الاستسهال في التعامل مع النصوص. فلكل تجربة شعرية في عالمنا العربي خصوصيتها وسياقها وفرادتها، وهذا يتطلب نقداً منفتحاً لا يُقصي ولا يُصنف، بل يحتفي ويُفكك ويُضيء.
ـ وفي هذا السياق، نؤمن في مركز عرار للنقد الأدبي والمقارن بأنّ الشراكة بين الشاعر والناقد ليست ازدواجية متضادة، بل تكاملٌ وظيفي؛ فالنصّ الشعري لا يكتمل دون قارئ منتج، والناقد لا يبدع خارج مدار التجربة الشعرية.
ـ كما أقدّر عالياً إشارتك لتجربتك مع منصة "عرار"، واعترافك بما وجدته من صدق التفاعل ودعم الحوار وانفتاح المنبر على التجارب كافة، وهو ما يعكس فلسفتنا في احتضان الإبداع وتكريم التجارب المضيئة.
وإنني أؤكد لك – من منبر التقدير الذي يليق بك – أن حضورك في الساحة الأدبية، سواء كشاعر أو ناقد، إنما يضيف إلى المشهد بعداً معرفياً وجمالياً يعزز من قيمة التعدد والانفتاح، ويدفعنا إلى المزيد من الاجتهاد في ترسيخ ثقافة نقدية عربية جامعة، ترى في الشعر العربي – بكل تنوعاته – رافعة حضارية وهوية معرفية لا غنى عنها.
حسن بن عبدالله ــ تونس في : 22 جويلية 2025
*********
بقلم د. موسى الشيخاني:
ردّ تحليلي على شهادة الشاعر والناقد الأستاذ حسن بن عبد الله
من الصعب على الكلمات أن تفي بحق من يُحسن الإنصات إلى جوهر الفكرة قبل بريقها، ويُبصر ملامح المشاريع الفكرية لا في ظاهرها الدعائي، بل في مخابرها الداخلية، حيث يُصاغ الفعل من إرادة، وتُبنى الرؤية من التزام صامت لا يحتاج إلى ضجيج.
شهادة الشاعر والناقد الأستاذ حسن بن عبد الله ليست نصًّا عابرًا في امتدادات المجاملة، بل هي تأريخ لفعل ثقافي تراكمي، وتأصيل لوعي نقدي قائم على التجربة، ينفذ إلى المعنى دون أن يتوه في الصدى، ويستدعي الجهد والنية معًا حين يتناول مسيرة إنسانية ومعرفية تتجسد في مشروع "عرار" الممتد.
أولًا: البنية الخطابية لشهادته
ما كتبه الشاعر حسن بن عبد الله، جاء ضمن نسق خطابي يجمع بين التحليل التأملي والاحتفاء المسؤول. لم تكن عباراته تقف عند ثنائية المدح والتقدير، بل تجاوزت ذلك لتبني سردية نقدية ذات بعد فكري، تستحضر مراحل التأسيس، وتُضيء على الرؤية المنهجية التي تحكمت في تشكّل "عرار" كمشروع غير ربحي، انطلق من الأردن ليعبُر إلى الأقطار العربية والعالمية.
لقد قدّم شهادته بوصفها تفكيكًا للنية الثقافية في هذا المشروع، مركّزًا على مفاهيم:
- الصدق المعرفي
- الاستقلالية النقدية
- رفض المجاملة
- المهنية في الاختيار والتكليف
- الالتزام الإداري والتنظيمي كضمانة للاستمرارية
وهذا ما يجعل من حديثه أقرب إلى دراسة وصفية-تحليلية منه إلى مجرد إشادة شخصية.
ثانيًا: البعد الإنساني والمعرفي في التلقي
في قوله: "هو ذاك الذي يحمل على عاتقه منذ سنوات مؤسّسًا لمشروع متعدّد التخصّصات..."، نقرأ نظرة عميقة إلى التراكم المعرفي الذي لا يكتفي بالفعل الثقافي بوصفه إنتاجًا للنصوص، بل يتعدّاه إلى هندسة الثقافة وتوجيهها نحو قيم الالتزام، لا من خلال الخطاب النظري فقط، بل عبر الممارسة المؤسسية اليومية.
وفي حديثه عن بداية اللقاء سنة 2020، حين تشاركنا مسؤولية إدارة المنصّة النقدية لمركز عرار، يسجل لحظة مفصلية، يؤرخ فيها لنشأة الثقة بوصفها فعلًا معرفيًا لا شخصيًا، حيث الثقة تُمنح بناءً على معيار الجدارة والوعي، لا على أساس الولاءات أو العلاقات العاطفية.
ثالثًا: الفكرة المركزية – "من الشعر إلى النقد ومن النقد إلى الشعر"
هذه الثيمة التي ركّز عليها الأستاذ حسن، تُعد حجر الزاوية في مشروع مركز عرار، وتكاد تختصر مجمل التوجه الذي سعى لأن يُعيد الاعتبار للعلاقة بين الشاعر والناقد بوصفها علاقة جدلية لا تنافسية، هدفها أن يرتقي النص، وأن تُنتج القراءة معنى لا تحليلاً شكليًا.
وقد جاء وصفه لي بـ"الناقد الذي يخترق السائد"، دلالة على أنّ النقد من وجهة نظره لا يجب أن يكون ملحقًا بالذائقة الجمعية، بل موجّهًا لها، وأنّ الناقد ليس شرطياً يحكم، بل شاهدٌ يحاور النص في صمت المعنى لا صخب الانطباع.
رابعًا: حضور القصيدة كعنصر فاعل في الشهادة
الناقد حسن بن عبد الله أعاد في نهاية حديثه تذكيرًا بقراءتي لقصيدته "مسافة الـ مئة متر"، وكأنّه يشير إلى النموذج العملي لما طرحه من تنظير. فالعلاقة هنا ليست بين شاعرٍ وناقدٍ فحسب، بل بين تجربة إبداعية حيّة وتجربة نقدية تُعيد إنتاجها، وهي العلاقة التي نؤمن بها ونسعى في "عرار" إلى تكريسها يوميًا.
خامسًا: المفردات الدالّة على الرؤية
"المعنى القمر"، "واجب الوجود"، "من الكلام إلى الكلام"... هذه المفردات التي اختارها الشاعر حسن، تعكس عمقًا فلسفيًّا يُدرج مشروعنا ضمن بنية تأويلية، لا إخبارية. فهو لم يكتب عن جهةٍ أو مؤسسةٍ أو شخص، بل عن تجربة فكرية متكاملة، ذات امتداد كوني، تنحاز للوعي، وتستثمر في الإنسان لا في الشكل.
ختامًا:
لكَ أيها الشاعر والناقد الأصيل، أرفع القبعة احترامًا وتقديرًا، لا فقط لأنك كتبت، بل لأنك حلّلتَ، ووعيتَ، وأنصفتَ، وأثبتَّ مرة أخرى أنّ العلاقة بين المبدعين الحقيقيين هي علاقة أخلاقية معرفية لا نفعية مناسباتية.
أنت لا تكتب لتقول شكراً، بل لتبني طابقًا جديدًا من الثقة المتبادلة، والحوار الثقافي المسؤول، والمراهنة على مشروع عربيّ يتجاوز الحدود والانتماءات الضيقة نحو الفكرة الجامعة: "الالتزام بالثقافة بوصفها ضرورة وجودية".
د. موسى الشيخاني
رئيس مجلس إدارة مركز عرار للدراسات الأدبية والنقد المقارن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق